للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذن من أراد أن يقول في حديث إنه على شرط البخاري أو مسلم لابد أن ينظر في إخراجهم لرواة الحديث على الصورة التي أخرجها البخاري أو مسلم أو كليهما.

ثم بعد هذا يُقال: ينبغي أن يُعلم أن البخاري ومسلمًا لم ينصا على شرط، ذكر هذا أبو الفضل بن طاهر المقدسي في شروط الأئمة الستة، وإنما غاية من يتكلم في هذا يتكلم استنباطًا، فيقول: هذا على شرط البخاري، وهذا على شرط مسلم.

الذي يظهر -والله أعلم- أنه عند التدقيق لا يصح أن يُقال في حديث إنه على شرط البخاري ولا على شرط مسلم ولا على شرطهما، وذلك لما يلي:

• الأمر الأول: أن العلماء ينظرون للمتن والسند، قد يرضى البخاري لهذا السند على هذا المتن، ولا يرضى لهذا السند على متنٍ آخر، كما تقدم ذكره في المقدمة، فقد روى البخاري عن أبي بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبيه عن جده في ذكر خيل النبي -صلى الله عليه وسلم- في حائط لهم يُقال لها اللخيف، فهذا السند لو كان على متن آخر في الأحكام لم يقبله البخاري، فلو أن أحدًا رأى هذا السند وأورده على متن آخر في الأحكام لصار ضعيفًا، فهل يصح أن يُقال ضعيف على شرط البخاري؟ هذا لا يصح بحال.

فإذن العلماء الماضون يُراعون المتن مع السند، فالبخاري قد يتساهل في إسناد بالنظر إلى المتن، ولا يتساهل في هذا الإسناد بالنظر إلى متن آخر، ولهذا أمثلة ولعله يأتي ذكر بعضها في ثنايا الشرح -إن شاء الله تعالى-.

• الأمر الثاني: أن الإمام البخاري والإمام مسلمًا ينتقون، وتقدم أن البخاري انتقى من أحاديث إسماعيل بن أبي أويس، فروى ما رآه منتقًى صحيحًا، فلا يصح لمن بعدهم أن يأتي لأي حديث في إسماعيل بن أبي أويس فيرويه فيقول: على شرط البخاري، على الصورة التي أخرجها البخاري، ثم يقول إنه على شرط البخاري.

فإذن الذي يظهر -والله أعلم- أنه لا يصح أن يُقال في حديث إنه على شرط البخاري أو على شرط مسلم أو على شرطهما، لما تقدم ذكره، وأؤكد إنهما لم ينصا على شروطهما نصًا ظاهرًا، وإنما أشار مسلم في المقدمة إلى أنه يروي من الطبقة الأولى والثانية وينتقي من الثالثة، بخلاف البخاري فيروي من الأولى والثانية، والبخاري لم ينص على هذا أيضًا، وإنما استُنبط من فعله استنباطًا. وما تقدم ذكره قد يُستفاد من كلام ابن حجر -رحمه الله تعالى- في كتابه (النكت على ابن الصلاح).

<<  <   >  >>