والتواتر بهذه الشروط لا وجود له في الأحاديث النبوية، وقد صرَّح بهذا ابن حبان في مقدمة صحيحه، وقال: السنة كلها آحاد. وصدق -رحمه الله تعالى-، فإنه على هذه الشروط لا يوجد له مثال، وذكر مثل هذا الحازمي -رحمه الله تعالى-، وابن النجار وهو من المتكلمين الأصوليين في شرح (الكوكب)، ثم ابن الصلاح في العبارة التي نقلها الحافظ في (النزهة) قال: إلا أن يُدَّعى في حديث: «من كذب عليَّ متعمدًا»، أيضًا أن يُدعى، أي لا يُجزم به.
فإذن التواتر بهذا المعنى لا وجود له في الحديث النبوي، وقد تقدم أن علم مصطلح الحديث يدرس اصطلاحات أهل العلم، وهو علم وسيلة لا غاية لمعرفة الأحاديث النبوية صحة وضعفًا، فإذن القول بالتواتر بهذه المعنى لا وجود له.
• تنبيه: قد عبر العلماء الماضون بالتواتر، لكن معنى المتواتر عندهم: أي المتكاثر، فإن عباراتهم كما سبق أقرب إلى المعنى اللغوي، والتواتر يختلف، فقد يروي حديثًا ثلاثة ويكون متواترًا، وقد يرويه عشرة ولا يكون متواترًا، قال ابن تيمية: وذلك باختلاف حال الرواة. ثم شبَّه هذا ابن تيمية بالطعام، قال: من الطعام ما إن أكلت منه قليلًا شبعت كاللحم، ومن الطعام ما إن أكلت منه كثيرًا لم تشبع. ونسب هذا إلى أهل الحديث.
وصدق -رحمه الله تعالى- فقد يروي حديثًا ثلاثة من الرواة فيكون متواترًا، وقد يرويه خمسة فيكون متواترًا، وقد يرويه عشرة فلا يكون متواترًا، وذلك بالنظر إلى حال الرواة، فإذن التواتر موجود في كلامهم لكن على خلاف هذه الشروط التي أحدثها المتكلمون والتي لا وجود لها في الحديث النبوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.