للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما من لم يثبت كفره بأن كان مبتدعًا فقد فصَّل فيه الحافظ ولكنه قال قبل هذا: (أَوْ بِمُفَسِّقٍ) وتقدم أن التفسيق ليس مانعًا.

وقوله: (فَالْأَوَّلُ: لَا يَقْبَلُ صَاحِبَهَا الْجُمْهُورُ) أي بمكفر، فيقال: إن أُريد أنه كفر فبالإجماع كما حكاه النووي، وإن أُريد أنه لم يكفر، فإذا لم يكفر فإنه يكون مبتدعًا، فسيأتي أنه كالإجماع بين المحدثين على قبول رواية المبتدع.

قوله: (وَالثَّانِي: يُقْبَلُ مَنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً فِي الْأَصَّحِ، إلَّا أنْ يَرْوِيَ مَا يُقوِّي بِدْعَتَهُ فَيُرَدُّ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجَوْزَجَانِيُّ شَيْخُ النَّسَائِيِّ) أي الذي وقع في بدعة مفسقة (يُقْبَلُ مَنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً ... ) ينبغي أن يُعلم أن تقسيم البدع إلى مكفرة وغير مكفرة عليه الإجماع، حكاه الشيخ حافظ الحكمي في (معارج القبول) وقرر أن هناك بدعًا مكفرة وغير مكفرة كثير من أهل العلم.

فإن قيل: كيف تُعرف البدعة المكفرة وغير المكفرة؟

يُقال: بالنظر إلى حكم الفعل في نفسه بعيدًا عن وصف الابتداع، كدعاء الأولياء، هذا كفر دون النظر إلى وصف الابتداع، أما الذكر الجماعي فهذا ليس كفرًا دون النظر إلى وصف الابتداع، فإذا نُظر إلى وصف الابتداع يكون بدعة -أي الدعاء الجماعي- ودعاء الأولياء إذا تعبد بذلك تكون بدعة مكفرة، لأن حكم الفعل دون وصف الابتداع كفر.

والأظهر -والله أعلم- أن رواية المبتدع مقبولة وهو كالإجماع بين أهل العلم كما حكاه الخطيب البغدادي في كتابه (الكفاية) وقال: هذا قول علي بن المديني ... وعدَّ جماعة كبيرة من أهل العلم، وهو صنيع صاحبي الصحيح الإمام البخاري ومسلم، فقد روى البخاري ومسلم بإسنادهما عن قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا إن آل فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله ... ».

فآل فلان أي: آل أبي طالب، وقيس بن أبي حازم وإن كان ثقة لكنه رُمي بالنصب، وهذا الحديث يُقوي بدعته، ومع ذلك قبل الحديث البخاري ومسلم.

مثالٌ ثانٍ: أخرج الإمام مسلم حديث علي بن أبي طالب وفيه عدي بن ثابت، وهو أن عليًا قال: "عهد إليَّ النبي الأمي ألا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق" فهذا الحديث في ظاهره يُقوي بدعة التشيع، وعدي بن ثابت كان إمام الشيعة وقاصهم، ومع ذلك روى

<<  <   >  >>