للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تأصيلًا ابن حجر في (النكت)، فرواية الكذاب لا تتقوى، ورواية الشاذ كما قال ابن الصلاح لا تتقوى، وسيأتي بيانها أكثر -إن شاء الله تعالى-.

بل أحيانًا كثرة الطرق لا تزيد الحديث إلا وهنًا، كما قال ابن القيم في كتابه (جلاء الأفهام)، وذكره المعلمي -رحمه الله تعالى- في مقدمة (الفوائد المجموعة) أن كثرة الطرق قد لا تزيد الحديث إلا ضعفًا، ثم ذكر أن المتأخرين تساهلوا في تقوية الحديث بكثرة الطرق، وذكر نحوًا من هذا أحمد شاكر في كتابه (الباعث الحثيث)، بل إن السيوطي -وهو من المتأخرين المتساهلين كما يقول الألباني- صرَّح أن رواية الكذاب تتقوى إذا كثرت الطرق، كما في (تدريب الراوي)، وهذا خطأ، وهي خلاف طريقة الأولين.

• المسألة الثانية: الحديث الذي يُراد تقويته بكثرة الطرق إذا خالف ما هو أقوى منه فلا يتقوَّى، ذكر هذا البيهقي فيما نقله السخاوي في كتابه (فتح المغيث)، فإذن كثرة الطرق إذا خالفت ما هو أقوى لا يتقوى.

• المسألة الثالثة: كثرة الطرق إذا خالفت فتاوى الصحابة فإنها لا تتقوى، وقد أشار إلى هذا الإمام أحمد في الوضوء بفضل المرأة، وهذا قد يُفرَّع عما قبله وقد يستقل بمسألة، فإن الصحابة إذا أفتوا بفتاوى ثم جاء حديث يُراد تقويته بطرق ونتيجته يُخالف فتاوى الصحابة فإنه لا يتقوى، لأن فتاوى الصحابة حجة.

• المسألة الرابعة: قال الإمام أحمد: المنكر منكرٌ أبدًا. وهذا من النفائس والدقائق في تقوية الحديث بمجموع الطرق، فكل حديث يتبيَّن فيه أن الراوي أخطأ فيه بأن يكون ثقة خالف من هو أوثق منه إما حفظًا أو عددًا، أو الضعيف يُخالف من هو أوثق منه؛ فإنه ساقط ولا يقوى ولا يتقوَّى لأنه وهم.

ولا أحصي عددًا من صنيع كثير من العلماء المتأخرين أنهم لا ينتبهون لمثل هذا، وقد يكون الراوي خالف الثقات ثم يأتون بهذه الزيادة التي هي خطأ ثم يقوُّون بها حديثًا آخر، وهذا لا يصح؛ لأن المنكر منكرٌ أبدًا كما قال الإمام أحمد، لذا قال ابن الصلاح: ومما لا يتقوى الشاذ، لأن الشاذ خطأ كما تقدم بيانه.

• المسألة الخامسة: النظر لتقوِّي الحديث بحديث آخر ... إلخ، ليس له ضابط مطرد، كما بيَّن هذا ابن الصلاح، وقال في كتابه (معرفة علوم الحديث) وهي مقدمة ابن الصلاح المعروفة، قال: وإنما يُعرف بكثرة المِراس. فقد تدل القرائن أحيانًا على عدم التقوِّي، فلا يُقوى.

<<  <   >  >>