للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومع ذلك تساهل البخاري وأورد هذه الرواية المرسلة، لأنه لا ينبني عليها حكم، والرواية الموصولة في الصحيحين يدعو على فلان وفلان ولم يسمهم، وفي هذه الرواية سماهم، وهذا لا ينبني عليه حكم، فنزل قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: ١٢٨] إلى آخر الحديث.

ومن القرائن المتنية: ما روى مالك في الموطأ وأبو داود وغيرهما عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رجلًا نبط أباه -أي أصاب أباه بعين- والحديث مرسل، لأن أبا أمامة بن سهل تابعي ولم يُدرك النبي -صلى الله عليه وسلم-فلم يدرك القصة ومع ذلك أخرجه مالك في الموطأ، والأصل فيما يُخرجه مالك في الموطأ أنه حجة، وهذا الحديث كذلك، والسبب في التساهل فيه أن هذه قصة تتعلق بأهله، فمثلها يشتهر بين أهله، فتساهلوا فيها، وهذه قرينة أخرى متنية.

أما القرينة الإسنادية فهي رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه روايةٌ منقطعة، فإن أبا عبيدة لم يُدرك أباه عبد الله بن مسعود، وقد نص على الانقطاع علي بن المديني، والنسائي، والترمذي، وغيرهم من أهل العلم، ومع ذلك أجمعوا على قبولها، حكى الإجماع يعقوب بن شيبة، قال: درسها أهل العلم فرأوها مستقيمة، وذكر نحوًا من هذا ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى)، وقرر هذا ابن رجب في شرح (العلل).

وسبب قبولهم لها أنهم رأوا أن روايته مستقيمة، ويؤيد ذلك أنها رواية ابن عن أبيه، فتساهلوا في هذه القرينة، فلذلك العلماء على قبول رواية أبي عبيدة عن أبيه، وإن كانوا يُصرحون بالانقطاع، وهذه قرينة إسنادية.

ومن الأحاديث التي رُويت من هذا الطريق: ما رواه الترمذي والنسائي وأبو داود من حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا جلس في التشهد الأول فكأنما يجلس على الرضف -أي من العجلة- ثم يقوم.

والرضف: الحجر المحمي بالنار، فيدل هذا على الاستعجال في التشهد الأول وعدم الإطالة، وقد قال الترمذي بعد أن رواه: والعمل على هذا عند أهل العلم. قال ابن رجب: وقول الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم، إشعار بالإجماع في المسألة. ذكر هذا في مسألة أخرى في شرحه على البخاري.

<<  <   >  >>