للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهؤلاء الأئمة هم المرجع في هذا العلم، وهم فرسانه وهم أئمته، ولا يصح لأحد أن يُخالفهم، ومن لطيف ما بيَّن ابن القيم -رحمه الله تعالى- في ثنايا كلامه على حديث أنس في تخليل اللحية في كتابه (تهذيب السنن)، لما نقل كلامًا لابن القطان الفاسي في تصحيح حديث قد ضعَّفه محمد بن يحيى الذهلي، قال ابن القيم: "وهذه التجويزات لا يلتفت إليها أئمة الحديث وأطباء علله ويعلمون أن الحديث معلول بإرسال الزبيدي له ولهم ذوق لا يحول بينه وبينهم فيه التجويزات والاحتمالات". وقد ذكر نحوًا من ذلك ابن رجب -رحمه الله تعالى- وقال: أئمة الحديث إذا قالوا قولًا فلا يصح لأحد أن يُخالفهم. ومثل ذلك ابن حجر في كتابه (النكت على ابن الصلاح) قال: إذا تكلم أئمة الحديث وفرسانه في هذا العلم ولم يُخالفوا لم يصح لأحد أن يُخالفهم.

وهذا كله لرسوخهم في هذا العلم ومعرفتهم به، فهم القدوة فيه، وهم الأئمة المتبعون في معرفته.

ثم ينبغي أن يُعلم أننا وإياهم لنا حالان:

• الحال الأولى: أمور نشترك معهم فيها، وهم الأصل فيها ولا يصح أن ننازعهم، لأننا ما نستطيع أن نخرج بنتيجة في ضعف راوٍ أو ثقته إلا بالرجوع إلى كلامهم، وأحسن ما عند أحدنا أن يُحسن جمع كلامهم وأن يُحسن تلخيصه، فلذلك نحن عالة عليهم.

هذا ليس أنا وأنت، وليس في قرننا ولا القرن السابق، بل حتى في وقت الخطيب البغدادي وابن عبد البر، فإن هؤلاء لا ينقدون بسبر حال الراوي، وإنما يعتمدون على كلام الأئمة الماضين، فكيف بي وبك؟

• الحال الثانية: أمور انفصلوا بها عنا، وتمايزوا بها عمن بعدهم، فقد وقفوا على أمور لا يمكن لأحد بعدهم أن يقف على ذلك، ومن أمثلة ذلك: أن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- طلب من إسماعيل بن أبي أويس أن يُريه كتبه، فأراه كتبه، فانتقى منها الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-. ذكر هذا ابن حجر في مقدمته على صحيح البخاري.

ونحن لا نستطيع أن نصل إلى هذه الدرجة، وغاية ما عندنا أن نقرأ كلام العلماء في إسماعيل بن أبي أويس وننظر في الحديث، أما البخاري فقد وقف على كتبه ثم انتقى منها انتقاءً، وهذا لا يتيسر لمن بعدهم.

<<  <   >  >>