وأعظم شروحه وأشهرها:" المغني " للإمام موفق الدين المقدسي، وطريقته في هذا الشرح أنه يكتب المسألة من الخرقي، ويجعلها كالترجمة، ثم يأتي على شرحها، وتبيينها، وببيان ما دَلَّتْ عليه بمنطوقها ومفهومها، ومضمونها، ثم يتبع ذلك ما يشبهها مما ليس بمذكور في الكتاب، فتحصل المسائل كتراجم الأبواب، وييين في كثير من المسائل ما اختلف فيه، وما أجمع عليه، ويذكر لكل إمام ما ذهب إليه،
ويشير إلى دليل بعض أقوالهم، ويعزو الأخبار إلى كتب الأئمة من أهل الحديث، ليحصل الثقة بمدلولها، والتمييز بين صحيحها ومعلولها، فيعتمد الناظر على معروفها، ويعرض عن مجهولها.
والحاصل: أنه يذكر المسألة من الخرقي، ويبين غالبًا روايات الإمام بها، ويتصل البيان بذكر الأئمة من أصحاب المذاهب الأربع، وغيرهم من مجتهدي الصحابة، والتابعين، وتابعيهم، وما لهم من الدليل والتعليل، ثم يرجح قولًا من أولئك الأقوال على طريقة فن الخلاف والجدل، ويتوسع في فروع المسألة، فأصبح كتابه مفيدًا للعلماء كافة على اختلاف مذاهبهم، وأضحى المطلع عليه ذا معرفة بالإجماع، والوفاق، والخلاف، والمذاهب المتروكة، بحيث تتضح له مسالك الاجتهاد، فيرتفع من حضيض
التقليد إلى ذروة الحق المبين، ويمرح في روض التحقيق.
قال ابن مفلح في المقصد الأرشد:" اشتغل الموفق بتأليف المغني أحد كتب الإسلام فبلغ الأمل في إنهائه، وهو كتاب بليغ في المذهب تعب فيه، وأجاد فيه، وجمل به المذهب، وقرأه عليه جماعة، وأثنى ابن غنيمة على مؤلفه، فقال: ما أعرف أحدًا في زماننا أدرك درجة الاجتهاد إلا الموفق.
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ما رأيت
في كتب الإسلام مثل المحلى والمجلى لابن حزم، وكتاب المغني للشيخ موفق الدين في جودتهما، وتحقيق ما فيهما، ونقل عنه أنه قال: لم تطب نفسي بالإفتاء حتى صارت عندي نسخة المغني " نقل ذلك ابن مفلح.
وحكى أيضًا في ترجمة الزريراني صاحب الوجيز أنه طالع المغني ثلاثا وعشرين مرة، وعلق عليه حواشي، وحكى أيضًا في ترجمة ابن رزين أنه اختصر المغني في مجلدين، وسماه التهذيب، وحكى أيضًا في ترجمة عبد العزيز بن علي بن العز بن عبد العزيز البغدادي، ثم المقدسي المتوفى سنة ست وأربعين وثمانمائة أنه اختصر المغني.
وسيأتي مزيد فائدة عن المغني في ثنايا الكلام عن المقنع.