فلذلك جعله عريًّا عن الدليل والتعليل، غير أنه يذكر الروايات عن الإمام ليجعل لقارئه مجالًا إلى كد ذهنه ليتمرَّن على التصحيح.
٣ - ثم صنف للمتوسطين " الكافي "، وذكر فيه كثيرًا من الأدلة لتسمو نفس قارئه إلى درجة الاجتهاد في المذهب، حينما يرى الأدلة، وترتفع نفسه إلى مناقشتها، ولم يجعلها قضية مسلَّمة.
٤ - ثم ألف " المغني " لمن ارتقى درجة عن المتوسطين، وهناك يطلع قارئه على الروايات، وعلى خلاف الأئمة، وعلى كثير من أدلتهم، وعلى ما لهم وما عليهم من الأخذ والرد، فمن كان فقيه النفس حينئذ مَرنَ نفسه على السمو إلى الاجتهاد المطلق إن كان أهلا لذلك، وتوفرت فيه شروطه، وإلا بقى على أخذه.
فهذه هي مقاصد ذلك الإمام في مؤلفاته الأربع، وذلك ظاهر من مسالكه لن
تدبرها، بل هي مقاصد أئمتنا الكبار كأبي يعلى، وابن عقيل، وابن حامد، وغيرهم قدس اللَّه أرواحهم.
واعلم أن لأصحابنا ثلاثة متون حازت اشتهارًا أيما اشتهار:
أولها:" مختصر الخرقي "، فإن شهرته عند المتقدمين سارت مضرقًا ومغربًا، إلى أن ألف كتابه " المقنع "، فاشتهر عند علماء المذهب قرييًا من اشتهار الخرقي، إلى عصر التسعمائة حيث ألف القاضي علاء الدين المرداوي " التنقيح المشبع "، ثم جاء بعده تقي الدين أحمد بن النجار الشهير بالفتوحي فجمع المقنع مع التنقيح في كتاب سماه:
" منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات "(وهو مطبوع) ، فعكف الناس عليه، وهجروا ما سواه من كتب المتقدمين كسلًا منهم، ونسيانًا لمقاصد علماء هذا المذهب التي ذكرناها آنفا.
وكذلك الشيخ موسى الحجاوي ألف كتابه " الإقناع "(وهو مطبوع) ، وحذا فيه حذو صاحب المستوعِب، بل أخذ معظم كتابه منه، ومن:" المحرر، والفروع، والمقنع "، وجعله على قول واحد، فصار مُعَوِّل المتأخرين على هذين الكتابين، وعلى شرحيهما.
ولما عكف الناس على " المقنع " أخذ العلماء في شرحه.
فأول شارح له: الإمام عبد الرحمن بن الإمام أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة