للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استحلَّ مالَ المدَّعَى عليه بهذا الصلحِ؛ وهو حرامٌ، وإنْ كان صادقًا فقد حرَّم على نفسِه بعضَ مالِه الحلالِ؛ لأنَّه يستحقُّ جميعَ ما يدَّعِيه لا بعضَه، فدخلَ في قولِه صلى الله عليه وسلم: «إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» (١).

فإذا أقرَّ المُدَّعَى عليه بالمُدَّعَى به في الأموالِ، أو ما أفضَى إليها؛ كمَن ثبتَ له على شخصٍ قِصاصٌ، فصالَحَه عليه على مالٍ؛ فإنَّه يصحُّ فيه الصلحُ، أمَّا ما لا يؤولُ إلى مالٍ؛ كحدِّ القذْفِ -مثلًا- فلا يصحُّ الصلحُ عليه بِعِوَضٍ.

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَهُوَ نَوْعَانِ: إِبْرَاءٌ، وَمُعَاوَضَةٌ»؛ أي: الصُّلحُ فِي المعاملاتِ الماليَّةِ ينقسمُ إلى هذين النَّوْعَيْن؛ الإبراء والمعاوضة.

قال أبو شجاع رحمه الله: «فَالْإِبْرَاءُ: اقْتِصَارُهُ مِنْ حَقِّهِ عَلَى بَعْضِهِ، وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ»، هذا هو النَّوعُ الأولُ من أنواعِ الصُّلحِ في المعاملاتِ الماليَّةِ، ويُسمَّى «صلحَ الحَطِيطَةِ»، وهو إسقاطُ الدَّائنِ عن المَدِينِ بعضَ دَيْنِه، كأنْ يقولَ الدَّائنُ للمدينِ -مثلًا-: صالحتُك في «الألْفِ» الذي عليك لي على «خمسِمائةٍ»، ودليلُ صحَّتِه حديثُ كعبِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه عندما طلبَ من عبدِ اللهِ بنِ أبي حدردٍ رضي الله عنه دينًا له عليه، فارتفعت أصواتُهما في المسجدِ حتى سمِعَهما النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو في بيتِه، فخرج إليهما، ونادَى: «يَا كَعْبُ»، فقال: لبَّيك يا رسولَ اللهِ، فأشارَ بيدِه أنْ ضَعِ الشَّطرَ مِن دَيْنِك،


(١) المصدر السابق.

<<  <   >  >>