للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو عفا بعضُ أولياءِ الدَّمِ -سواءٌ كانَ العفوُ بدونِ مقابِلٍ، أو مقابِلَ الدِّيةِ- سَقَطَ القِصاصُ، وإن لم يَرْضَ البعضُ الآخَرُ؛ لأنَّ القِصاصَ لا يتجزَّأُ.

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَالْخَطَأُ الْمَحْضُ: أَنْ يَرْمِيَ إِلَى شَيْءٍ فَيُصِيبَ رَجُلًا فَيَقْتُلَهُ، فَلَا قَوَدَ، بَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةٌ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ»، سَبَقَ أنَّ قتلَ الخطإِ هو أن يَقْصِدَ الفعلَ دونَ الشَّخصِ، كأن يرميَ إلى شجرةٍ أو إلى صيدٍ فيُصيبَ إنسانًا فيقتلَه، وهذا النَّوعُ من القتلِ لا قَوَدَ فيه؛ لقولِه تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرٌ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢]، فأَوْجَبَ الدِّيةَ، ولم يَتَعَرَّضْ للقِصاصِ.

وهذه الدِّيَةُ تَكونُ على العاقلةِ مخفَّفةً مؤجَّلةً إلى ثلاثِ سنواتٍ، وكونُها مخفَّفةً؛ فلأنَّها من خمسةِ أسنانٍ، كما جاءَ في حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه أنَّه قالَ: «دِيَةُ الخطإِ خمسةُ أخماسٍ: عِشرونَ حِقَّةً, وعِشروَن جَذَعَةً, وعِشرونَ بناتِ مَخاضٍ, وعِشرونَ بناتِ لَبُونٍ, وعِشروَن بَني لَبونٍ ذُكورٌ» (١).


(١) رواه الدَّارقطنيُّ (٣٣٦٢)، وقال: «إسنادُه حسنٌ, ورواتُه ثقاتٌ»، وله حُكمُ الرَّفعِ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه من المقدَّراتِ، وهي ليست مما يقالُ بالرَّأيِ.

والحقَّةُ من الإبلِ: ما لها ثلاثُ سنينَ ودخلت في الرَّابعةِ، وسُمِّيت بذلك؛ لأنَّها استحقَّت أن تُركَبَ ويُحْمَلَ عليها، وقيلَ: لأنَّها استحقَّت أن يَطْرُقَها الفحلُ، والجَذَعةُ: ما لها أربعُ سنينَ ودخلت في الخامسةِ، وسُمِّيت جَذعةً؛ لأنَّها تجذعُ مُقَدَّمَ أسنانِها؛ أيْ: تُسقِطُ أسنانَ اللَّبَنِ، وبنتُ المخاضِ: ما لها سَنَةٌ ودخلت في الثَّانيةِ، وسُمِّيت بذلك؛ لأنَّ أمَّها غالبًا صارت مخاضًا بأخرى؛ أي: حاملًا، والمخاضُ آلامُ الوِلادةِ، وبنتُ اللَّبونِ: ما لها سَنتانِ ودخلت في الثَّالثةِ، وسُمِّيت بذلك؛ لأنَّ أمَّها صار فيها لبنٌ غالبًا بولادةٍ أخرى.

<<  <   >  >>