للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَنْ كانَ في الذِّمَّةِ وجاءَ أهلُ الحربِ إلى بلادِنا يقصدونَه وجبَ علينا أنْ نَخرجَ لقتالِهم بالكُراعِ والسِّلاحِ، ونموتُ دونَ ذلك؛ صونًا لمَنْ هو في ذمةِ اللهِ تعالى وذمةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ تسليمَه دونَ ذلك إهمالٌ لعقدِ الذِّمَّةِ» (١).

وقد أدركَ هذه النعمةَ أهلُ الذمةِ الأوائلُ، وقد ذكرَ البلاذريُّ رحمه الله أنَّ أبا عبيدةَ بنَ الجراحِ رضي الله عنه عندَما فتحَ الشامَ، وأخذَ الجزيةَ منْ أهلِها؛ اشترطوا عليه أنْ يحميَهم منَ الرُّومِ الذين كانوا يَسومونهم المذلةَ والمهانةَ والاضطهادَ، فقَبِل أبو عبيدةَ رضي الله عنه، ثُمَّ بلغَه أنَّ هرقلَ أعدَّ جيشًا عظيمًا لاستردادِ الشامِ من المسلمين، وأنَّ الرومَ قد توجهوا لقتالِهم في اليرموكِ، فردَّ أبو عبيدةَ رضي الله عنه على أهلِ حمصَ ما أخذَ منهم منَ الجزيةِ، وقالَ: شُغِلْنا عن نصرتِكم والدفعِ عنكم، فأنتم على أمرِكم، فقالَ أهلُ حمصَ: لَوَلايتُكُم وعَدْلُكم أحبُّ إلينا مما كنَّا فيه منَ الظلمِ والغشمِ، ولَندفعَنَّ جندَ هرقلَ عنِ المدينةِ معَ عامِلِكم، ونهضَ اليهودُ فقالوا: والتوارةِ لا يدخلُ عاملُ هرقلَ مدينةَ حمصَ إلا أنْ نغلبَ ونجهدَ، فأغلقوا الأبوابَ وحرسوها، وكذلك فعلَ أهلُ المدنِ التى صُولِحَتْ منَ اليهودِ والنصارى، وقالوا: إنْ ظهرَ الرومُ وأتباعُهم على المسلمين صِرْنا إلى ما كُنَّا عليه؛ أيْ: منَ المذلةِ والمهانةِ والاضطهادِ، وإلَّا فإنَّا على أمرِنا ما بقي للمسلمين عددٌ، فلمَّا هزمَ اللهُ الرومَ، وأظهرَ المسلمين؛ فتحوا مدنَهم، وأخرجوا


(١) «الفروق» (٣/ ١٤).

<<  <   >  >>