للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المُقَلِّسِين فلعبوا، وأدَّوا الجزيةَ (١).

فقد أقرَّ أهلُ حمصَ بأنَّ حكمَ المسلمين -معَ خلافِهم لهم في الدينِ- أحبُّ إليهم من حكمِ أبناءِ دينِهم, وذلك لما ينطوي عليه ذلك الحكمُ من ظلمٍ وجَورٍ واضطهادٍ وعدمِ احترامٍ للنفسِ البشريةِ.

ولْيُعلمْ أنَّ الإسلامَ حينَما فرَضَ الجزيةَ على مَن دخلوا في ذمةِ المسلمين لم يكنْ ظالمًا، وإنَّما كانَ عادلًا كلَّ العدلِ؛ لأنَّه ما شرعَها إلَّا لتكونَ في مقابلِ ما فُرِضَ على المسلمين منَ الزكاةِ، والتي هي عبادةٌ لا تَصِحُّ مِن كافرٍ، فكلٌّ مِنَ الفريقين يبذلُ جزءًا مِن مالِه ليُنفَقَ في مصارفِه، مِن أرزاقِ الجندِ، والمرافِقِ العامةِ، ونحوِ ذلك مما ينتفعُ به الجميعُ.

وقد سبقَ أنَّ الإسلامَ وضعَ الجزيةَ عنِ النساءِ والصبيانِ والعبيدِ مِنْ أهلِ الكتابِ، بلْ لمَّا مرَّ عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه ببابِ قومٍ وعليه شيخٌ كبيرٌ ضريرُ البصرِ يسألُ؛ ضربَ عضدَه مِن خلفِه، وقال: «مِن أيِّ أهلِ الكتابِ أنتَ؟»، فقالَ: يهوديٌّ، قالَ: «فما ألجأَكَ إلى ما أرَى؟»، قالَ: أسألُ الجزيةَ، والحاجةُ والسنُّ، فأخذَ عمرُ رضي الله عنه بيدِه، وذهبَ به إلى منزلِه، فرَضخَ له بشيءٍ منَ المنزلِ، ثُمَّ أرسلَ إلى خازنِ بيتِ المالِ فقالَ: «انظرْ هذا وضرباءَه، فوَاللهِ ما أنصفْناه أنْ أكلْنا شَبِيبتَه؛ ثُمَّ نخذلُه عندَ الهَرَمِ» (٢).


(١) «فتوح البلدان» للبلاذري (١/ ١٦٢)، والمُقَلِّسُون: همُ الذين يلعبون بينَ يدَي الأميرِ إذا وصلَ البلدَ، ويقالُ للواحدِ منهم: مُقَلِّسٌ.
(٢) رواه أبو يوسف في «الخراج» (ص: ١٣٩).

<<  <   >  >>