للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا ساكنين بقلب أينما رحلوا ... وراحلين بقلبي أينما ساروا

غبتم فأظلمت الدنيا لغيبتكم ... وضاق من بعدكم رحب وأقطار

ليت الغراب الذي نادى بفرقتنا ... عار من الريش لا تحويه أوكار

بعد النعيم بعدنا عن منازلنا ... وبعد أحبابنا شطت بنا الدار

قالت حليمة فلما وضعته بين يدي على الأتان استقبل بوجهه الكعبة وسجد ثلاث مرات ثم مرت بنا الأتان كالجواد فقالت النساء يا حليمة أليس هذه أتانك إن لك شأنك عجيبا فقالت الأتان أنتن في غفلة عني على ظهري راكب البراق قالت حليمة فبينما أنا في أثناء الطريق وإذا أنا بأربعين نصرانيا يتذكرون محمدا ومعهم سيوف مسمومة فلما نظر إليه كبيرهم قال ويحكم دونكم هذا الغلام فاقتلوه فهو المطلوب فقلت وامحمداه ففتح عينيه ورمق بطرفه نحو السماء وإذا بنار نزلت من السماء فأحرقتهم عن آخرهم فقال زوجي أن لهذا المولود لشأنا وسوف يعلو أمره فلما دخلنا وجئنا أخصب الوادي على كل حاضر وباد وأدر الله لنا الضرع وأنبت لنا الزرع وصار محمد صلى الله عليه وسلم يكبر في اليوم كالشهر وفي الشهر كالسنة فلما بلغ عامين وقيل أكثر قدمت به حليمة على أمه آمنة زائرة فأخبرتها بما رأت من بركاته الظاهرة فقالت لها ارجعي به فإني أخاف عليه من وباء مكة في السنة الثالثة ولد أبو بكر الصديق في الرابعة قال يا أماه ما لي لا أرى إخوتي في الحي نهارا قلت أنهم يرعون الأغنام التي رزقنا الله إياها ببركتك فقال دعيني أخرج معهم إلى المرعى وأقسم علي فلما كان من الغد تحزم وأخذ عصاه وسار معهم وقيل في المعنى: شعر:

بأغنامه سار الحبيب إلى المرعى ... فيا حسنه راع فؤادي له ترعى

فما أحسن الأغنام وهو يسوقها ... لقد آنس الصحراء وقد أوحش الربعا

جميل على معنى محاسن وجهه ... كأن بدور التم قد طبعت طبعا

أقول له منذ سار في البر ماشيا ... وأغنامه من حوله تطلب المرعى

عيونك يا راعي الحمى فتكت بنا ... فقوم بها قتلى وقوم بها صرعى

وحزت جمالا حير الخلق وصفه ... ونبتا خفيا كنبت العشب والمرعى

فلولاك يا راعي الحمى ما تشوقت ... قلوب إلى وادي العقيق ولا الجرعى

حبيبي طبيبي أنت راع قلوبنا ... فلولاك يا مختار ما ذكر المسعى

قالت حليمة رضي الله عنها وغاب عني رسول الله يومه ذلك فلما قرب المساء خرجنا لملاقاته على الطريق فإذا به قد أقبل والأنوار تسبقه والأغنام تلوذ به وكان في الغنم شاة رماها أخوه حمزة فكسر ساقها فجعلت تلوذ به كالشاكية إليه فقبض بيده الكريمة على ساقها فكأن الوجع لم يقع ثم قالت لولدها حمزة كيف وجدت أخاك القرمشي قال يا أماه ما مر بحجر ولا شجر ولا سهل ولا جبل ولا وحش ولا طير إلا يقول السلام عليك يا رسول الله ولا يطأ موضعا إلا ونبت العشب فيه قال ابن أبي جمرة في شرح البخاري حتى موضع دابته التي يركبها يخضر في الحال وإذا سقينا

<<  <  ج: ص:  >  >>