وأحمد قال في كتاب العقائق في الليلة التي ولد فيها محمدا انطفأت النيران إشارة لطفئها عن أمته وفي الليلة التي ولد فيها عيسى اشتعلت النار إشارة لتوقدها على من اتخذه إلها من دون الله وكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد قدوم أصحاب الفيل بخمسين يوما قالت عائشة رأيت قائد الفيل أعمى يسأل الناس.
[فصل في رضاعه صلى الله عليه وسلم]
قال ابن عباس نادى منادي الرحمن معاشر الخلائق هذا محمد بن عبد الله طوبى لثدي أرضعه طوبى لعبد كفله فقالت الطير إلهنا نحن نحمله إلى أعشاشنا ونطعمه من طيبات الأرض وقال السحاب ربنا نحن نحمله إلى مشارق الأرض ومغاربها ونربيه أحسن تربية وقالت الملائكة إلهنا نحن أحق بتربيته فقال تعالى قد أجريت ذلك على يد حليمة السعدية في كتاب شرف المصطفى كانت حليمة في يضيق من فأضرها الجوع فرأت في منامها رجلا أخذ بيدها إلى نهر أبيض من اللبن وأحلى من العسل وقال اشربي يا حليمة فشربت كثيرا ثم قال تعرفيني قالت لا قال أنا الحمد الذي كنت تحمدين الله به في الشدة والرخاء يا حليمة انطلقي إلى مكة فإن لك فيها الرزق الواسع واكتمي شأنك قالت فاستيقظت وأنا أحمل النساء ولا أطيق أن أحمل ثديي من اللبن فتعجب النساء منهي ثم خرجنا يوما نطلب البنات فسمعنا قائلا يقول ألا وأن الله قد أخرج مولودا بمكة طوبى لمن أرضعه فلما سمعت النساء بذلك رجعن وأخبرن أزواجهن فخرجن إلى مكة وكانوا عشرة وخرجت معهن على أتان ضعيف فبينما أنا في بعض الطريق إذ خرج رجل من شجرة ومعه حربة فوكز الأتان وهي الأنثى من الحمير وقال أسرعي بمرضعة سيد المرسلين فسبقنا القوم ودخلنا مكة فرآني عبد المطلب فسألته عن رضيع فقال عندي غلام يتيم لم تبق إمرأة إلا وعرض عليها ولكن لعدم سعدها تأباه إذا قيل لها توفى الله أباه فقالت رضيت بجماله وليس لي رغبة في غير وصاله فقال لها ما اسمك قالت حليمة السعدية فقال حلم وسعد فيهما عز الأبد فأدخلني إلى منزل آمنة فرأيته نائما فوضعت يدي على صدره ففتح عينيه وتبسم فخرج منه نور الحق بعنان السماء والعنان بفتح العين هو السحاب فناولته ثديي الأيمن فشرب حتى روى ثم ناولته الأيسر فامتنع وذلك من عدله وإنصافه لأنه علم أن له في اللبن شريكا فلما أخذناه من أمه قالت أعيذه بالله في الحلال من شر ما مر على الجبال حتى أراه حامل الكلال. ويفعل الخير مع الموالي وغيرهم من حشوة الرجال. حشوة بكسر الحاء المهملة هم أسافل الناس قالت حليمة فخرجنا وخرجت أمه تودعه ولسان حالها ينشد ويقول: شعر:
كيف السبيل وقد شطت بنا الدار ... أم كيف أصبر والأحباب قد ساروا
ومنزل الأنس أضحى بعد ساكنه ... مستوحشا حين غابت عنه أقمار
ما كان أحسننا والدار تجمعنا ... والشمل متصل والعيش مدرار