أهلها إكبارا أدبيّا، واحتراما خاصّا، أكثر مِما يقتضيه حالُها، إنّما تقفت فيه البديع من غير أن يكون لَها من العلم والأدب وذوقهما باع طويل كالبديع، ومن هنا نلمس إسراعها بالتشجيع للأدباء الذين يكونون دائما في الدول عنوان منتجاتها في حاشية أعمالِها، ومن آخر ما تعتني به خصوصا إن كانت دويلة بسيطة بدوية كدويلة إيليغ، فليحمد حينئذٍ الأدب السُّوسي هذا التقليد، فلولاه لأمكن أن يسقط شأنه منذ ارتفعَ شأن إيليغ، ففي أول يوم بويع فيه علي بودميعة (١٠٢١هـ) رأينا الشاعر أمحَّاولو الإيسي قام بقصيدة يلقيها على مسامع الحاضرين، فيها الإشادة بالأمير الجديد، وفيها تَمنيات من بينها الأخذ بالعلم والاهتمام بنشره، ولا مرية أن الشاعر إنّما يقصد العلم الديني، ولكن في ضمن هذا العلم كل علوم العربية إذ ذاك، ثُم رأينا هذا الشاعر تبوأ مركز الكتابة الأعلى في إيليغ، ثم يخلفه فيه ولده أحمد وهو شاعر أيضا، كما رأينا أحمد بن مُحمد الشاعر التاغاتيني يستقدم إلى إيليغ، ويؤمر بِملازمة الحضرة، ثُم لَحق الشاعر مُحمد بن الْحَسن اللكوسي المانوزي بإيليغ، وبَيْن يدي نَجواه قصيدة عينية، ثُم هناك من بَيْن قضاة الجماعة الشعراء والأدباء؛ كمحمد بن سعيد العباسي، وعبد العزيز الرسْمُوكي، وعبد الرحمن التامانارتي، نشأ أمثال سعيد بن مُحمد بن سعيد من النشء، فكان هؤلاء يقولون في كل مناسبة، يقولون تَهديدا لأعداء الدولة، ويقولون تَهنئة للأمير بعد أن نَجا مِمن يُحاول أن يغتاله، ويقولون فيه أمداحا خاصة، ويقولون في رثائه بعد وفاته، ويقولون في ليالي المولد النبوي، فتعارض قصيدة الفشتالي، النونية النبوية بلسان أحد شعراء الشباب (١)، وهذه الحركة الشعرية تدل على أن هناك اعتناء خاصا، ربّما فاق ما نظن، وإنما نُحاول أن نبقي مع ما يدل عليه ما اتصلنا به، ولَم نرد أن نتتبع الافتراضات كثيرا في الموضوع، ولا أن نتوسع في الاستنتاج إلى حد بعيد، خوف أن نقع فيما لا نَجد له دليلا مقنعا. لو تطلب منا دليل مقنع، على أننا وإن أبينا أن نتوسع في الإشارة بالأدب في إيليغ نَجد بين أيدينا نصّا صريحا من أحد رجالات إيليغ إذ ذاك، يقول: «إن الأدب قد انطوى منذ انطوى إيليغ في جبال جزولة حتى بقيت آثار الأدباء مرمية منبوذة
(١) كل ما لمحنا إليه هنا موجود في (المترعات) أو في كتاب (إيليغ) أو في (المعسول).