كما احتوى على العناية بدراسة الفن -وهو ما خلا منه الدور الذي قبله- واحتوى أيضا على التنوع فيما يُمكن أن يتنوع إليه أدب أمة بدوية مستعربة، احتوى فوق ذلك على براعة حسنة، فإن لَم تكن فائقة؛ فهي سائرة في طريق التفوق، ولا يعزب عنك أيُّها القارئ الكريم أن لَهجة أدب هذا الطور مُختلفة، فما قيل في حاضرة تارودانت يُخالف في وشيه ما يُقال في الجبال، وهذه ظاهرة ينبغي أن لا يَجهلها الباحث.
ثُم إن هناك حركة ضئيلة أدبية حول المدرسة التمجدشتية، وقفنا على آثار منها، لا تَمت إلى الأسلوب بشيء، إلا بوزن العروض أحيانا، وإعراب الكلمات، غير أننا وقفنا من آثارها على شيء لا بأس به، وهو ما رأيناه للحسن بن الطيفور (الساموجني) ثُم التزنيتي، بل ربّما يكون هناك ما يدل على أن يده في هذا الفن فيها طول أكثر مِما نظن، ومن هذه الْحَركة (التَّمجدشتيَّة) سرت شرارة إلى أدوز، فنشأ في جوها ابن العربي الذي سنرى له أثرا في الحركة المقبلة في الطور الرابع، ثُم منه امتدت أسلاك إلى المدرسة البونعمانية؛ لِمَا بَيْن أستاذها مسعود وبين الأدوزيين، فنشأ أيضا في بيئة ذلك ابن مسعود، فهكذا انتشر أيضا من تَمجدشت، ما لَم تكن تعتني به، ولا ترفع به رأسا، ولكن لا ننسى أن حركتها لَم تكن لتصل إلى ذلك المستوى الذي وصلته، لَو لَم تُجاور الْحَركة الجشتيمية القوية، فيحمل التنافس الموجود بين المدرستين على المحاككة، وهل الكهرباء إلا بنت المحاككة؟
هكذا ينبغي أن نفهم هذا الطور الثالث، لنستطيع أن نفهم كيف تأتي لِما بعده أن يوجد وجودا طبيعيّا ليس للطفرة فيه من تأثير.