للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أحْمَد الدرعي يُهنئ ابن صالِح القاضي بعرس من قصيدة أولها:

ورد البشير مهنئا بوصال ... والقلب للشوق المبرح صال

يقول فيها بعد تغزل، والقائل متأثر ببساتين تارودانت:

إيه أيا خير الأساتِذ أننا ... طرا على نعم الهنيء البال

مدت علينا من حبورك ظلة ... كانت بعرس من وريف ظلال

ما أنت وحدك في السرور فكلنا ... بين الغزالة ناعم وغزال

حتى الزمان أتى إليك ربيعه ... بالورد فوق قضيبه الْمَيَّال

فحدائق الأشْجار في أغصانِها ... حيَّت مقامك عن شذى الآصال

والطير في أفنانِها تشدو وما ... تشدو بغير هنائك المتلالي

وخرير هذا الماء في قنواته (١) ... تصفيقه فرحا بعرس عال

قم يا مدير أدر فهذا يومها ... صارت بِهذا البشر خير حلال

واملا الكئوس بِخَمرة بسامة ... في وجه شاربِها الرخى البال

واصبن (٢) فديتك عن يدي متثلما ... فأنا شروب بنت كل دوال (٣)

ولنكتف بِهذا القدر، فإنه يكفي في أن نعلم كيف وجود الأدب السوسي في هذا الطور، فإنه كما يرى القارئ مِما سقناه لا يترامى إلى الإجادة مع ضعف في النسج، وقلما يفارقه، فالمعاني ألطف من الألفاظ، والإخوانيات، واستنهاض الهمم مِما يطرق كثيرا، ولا يدل هذا على أن القصائد الطويلة المديحية في الملوك وغيرهم غير موجودة، فإن هناك قصائد مطولة للجشتيميين في جانب مولانا عبد الرحمن، ومثلها في النبويات، بل وقفنا على نبوية في هذا الطور لأحمد الجشتيمي تنيف على خَمسين وثلاثمائة بيت من النظم الذي أطيل فيه النفس (٤)، كما رأيت أن هناك ديوانا خاصّا لابن صالِح لكنه أمشاج، فمن هناك يدرك القارئ مقدار ما لِهذا الطور الثالث من امتداد القوافي، مع إلْمَامه بِما يعتريه من ضعف غالبها، وبِما تكتسيه أحيانا من جَمال الأسلوب، وروعة البيان، فيكون هذا الدور الذي أطلقنا عليه: دور انتعاش الأدب السوسي دورا مُنْعِشا حقّا؛ لأنه


(١)
فلينتبه القارئ لهذه اللفظة الحلوة التي كانت تستعمل عند السوسيين من ذلك العهد.
(٢) صَبَبْت الكأس عن جليسك: أملتها عنه.
(٣) المتثلم: المتكسر وهذا مأخوذ من البيت القديم:
إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... ولا تسقني بالأصغر المتثلم
وتمام القصيدة في (المعسول).
(٤) (المعسول).

<<  <   >  >>