ولو قال:(له علي شيء إلا خمسة) .. لزمه تفسير الشيء بما يزيد على الخمسة وإن قلت الزيادة؛ لتلزمه تلك الزيادة.
ولا فرق كما صححه الشيخان في (باب الأيمان) بين تقديم المستثنى منه على المستثنى وتأخيره؛ كقوله:(له على إلا عشرة مئة)، ويصح الاستثناء من غير الجنس؛ كقوله:(له على ألف درهم إلا ثوباً) أو (عبداً)، ثم عليه أن يبينه بما لا تستغرق قيمته الألف، فإن استغرقته .. بطل الاستثناء.
[حكم الرجوع عند الاقرار]
قوله:(عن حقنا ليس الرجوع يقبل بل حق ربي فالرجوع أفضل) أي: لا يقبل الرجوع من المقر بما أقر به من حقوق الآدميين، سواء أكانت مالية أم غيرها؛ كالقتل والقذف وغيرهما؛ لأنها مبنية على المشاحة، بل يقبل رجوعه عما أقر به من عقوبة لله تعالى، سواء أكانت حداً أم تعزيزاً؛ كالزنا وشرب الخمر وغيرهما؛ لأنها مبنية على المسامحة، فرجوعه عن إقراره بها أفضل؛ لقصة ماعز، ولهذا استحب لمن ارتكب معصية توجب عقوبة لله تعالى أن يستر على نفسه، بخلاف من قتل أو قذف مثلاً .. فإنه يستحب له أن يقر، بل يجب عليه ليستوفى منه الحق؛ لما في حقوق الآدميين من التضييق، بخلاف عقوبة الله تعالى، أما رجوعه عما أقر به من حق مالي لله تعالى؛ كالزكاة والكفارة .. فلا يقبل.
[الإقرار بالمجهول]
قوله:(ومن بمجهول أقر قبلا ببانه بكل ما تمولا) أي: يصح الإقرار بمجهول؛ كقوله:(له علي شيء) لأنه إخبار عن حق سابق كما مر، والشيء قد يخبر عنه مبيناً، وقد يخبر عنه مبهماً، إما للجهل به، أو لثبوته مجهولاً بوصية أو نحوها، ويلزمه بيان ما أبهمه فيطالب بتفسيره، فإن امتنع منه .. حبس على الأصح؛ لامتناعه من أداء الواجب عليه؛ كما يحبس من امتنع من أداء الحق، ويقبل تفسيره بكل ما يتمول وإن قل كرغيف وفلس، لأن الشيء صادق عليه.
ولو فسره بما لا يتمول، لكنه من جنسه؛ كحية حنطة، أو بما يحل اقتناؤه، ككلب معلم