[أمثلة لكفار النوع]
من أمثلة كفار النوع: المعتزلة الذين يثبتون الأسماء وينفون الصفات، وهؤلاء قد انقرضوا إلا بعض العقلانيين المتأثرين بهم في بعض الجامعات، وهم موجودون لكن بقلة، وليسوا منتشرين في عامة المسلمين، وليس هناك أحد يمتحن الناس أو يدعو الناس لذلك علانية، والمنتشر ممن يتدين بهذا الدين الأشاعرة، لكن هؤلاء الأشاعرة ليسوا من الفرق المختلف في تكفيرها، وعامة أهل العلم لا يكفرون الأشاعرة.
كذلك الخوارج الذين يكفرون الصحابة رضي الله عنهم، ويكفرون مرتكب الكبيرة، ويخلدونه في النار، وهؤلاء مثل الإباضية الذين ينتشرون في عمان وليبيا، وكفرق التكفير المعاصرة -مثل جماعة شكري مصطفى وأمثالها- هي من فرق الخوارج وتصرح بتكفير مرتكب الكبيرة ونحو ذلك.
ومن الأمثلة: الرافضة الذين يسبون الصحابة رضي الله عنهم، وربما كفروا بعضهم، ويسبون أبا بكر وعمر، ويعتقدون أن أول الخلفاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهم الإمامية الإثنا عشرية، وهم منتشرون بالعراق وإيران، وبعض الجمهوريات الإسلامية في آسيا.
ومن الأمثلة: القدرية الذين يثبتون علم الله، وكتابة المقادير، وينفون المشيئة، وخلقه تعالى لأفعال العباد، وهذه العقيدة للأسف تنتشر بين أوساط من يسمون بالمثقفين في بلادنا وغيرها، بل وينصرها بعض المشايخ الذين يتصدرون للدعوة في بعض الجماعات، وهناك كتاب سيئ صاحبه اسمه مصطفى درويش من أنصار السنة، دافع فيه عن القدرية، مع أنه منتسب لجماعة سنية، والشيخ الشعراوي في كتاب القضاء والقدر خلاصة كلامه يدل على إثبات عقيدة القدرية أيضاً، وإن كان هو في أماكن أخرى يتكلم كلاماً حسناً، لكنه في كتاب القضاء والقدر الذي هو أول لقاءاته واشتهر به، ينقل فيه عقيدة القدرية.
ومن الأمثلة: الجبرية وإن كان يفترض أن القدرية تذكر في مقابل الجبرية.
أما من يصل إلى درجة الإباحية من الجبرية، ويقول: إن المعاصي لا تضر فهو كافر من النوع الأول.
ومن الأمثلة: الصوفية الذين يطوفون بقبور الأولياء، ويطلبون منهم المدد، ويذبحون لهم وينذرون، وهؤلاء مختلف في تكفيرهم وذكروا في هذا الباب، وإن كان النوع بلا شك كفر، ولكن الخلاف على أساس انتشار الجهل في هذا الأمر في كثير من المتأخرين منع من الحكم عليهم بالتكفير، فهم أولاً ذكروا في النوع الأول ضمن غلاة الصوفية، الذين يقولون: أنا أعبد الولي فلاناً، ويصرح بعبادة غير الله، أو يصرح أنه الله، أو أن الولي فلاناً هو الله، فهؤلاء لا يوجد نزاع بأنهم كفار نوعاً وعيناً، أما هؤلاء ممن يطوفون بالقبور عندما تقول له: هل أنت تعبد البدوي؟ يقول لك: أعوذ بالله، أنا لا أعبد البدوي.
فهو يأبى أن يقر بعبادة غير الله، مع أن هذا الذي يفعله عبادة، تماماً كالرافضي الذي يسب أبا بكر رضي الله عنه، فهذا تكذيب للقرآن ومناقضة له، لكن هل يلتزم ذلك، ويصرح بأنه يخالف القرآن؟ لا، وإذا كان هكذا فقد خرج من الملة في ساعته وتوه، لكنه يقول لك: هذا الكلام غير صحيح، أو أنه يؤول الكلام على غير وجهه، ويقول لك: هذا لما كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد، ويحرف معنى الكلام، ومثل اعتقاد الخوارج كفر علي بن أبي طالب والصحابة، فهذا يعتبر كفراً، ومعلوم بلا شك أن الشرع أتى بخلاف عقائدهم، بل مقطوع بكفر هذا القول، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بخروجهم من الدين، ومن تقام عليه الحجة منهم ثم يصر على هذه العقائد فهو كافر.
فالصوفي يقول: أنا أعمل هذا العمل تبركاً بالولي، وأنا لا أذبح له تعظيماً له وعبادة له، ومن فعل ذلك فهو كافر، أما من لا يعلم أن الذبح عبادة، فلا بد من إقامة الحجة عليه.
أما من يذبح لله عند البدوي، فهذه بدعة وضلالة، ومما لا يختلف في عدم تكفيره، وهو غير مشرك باتفاق، لكن هذا ذريعة إلى الشرك والكفر.
والصحيح في هذا النوع من الخلاف: أن هذه الأقوال البدعية أقوال كفرية، ولكن لكثرة الجهل، وانتشار البدع، وعدم تميز أصحاب العقائد الكفرية عن غيرهم من أهل البدع غير المكفرة لم يُمكن إطلاق الكفر على عمومهم وعوامهم قبل إقامة الحجة على أعيانهم، فمثلاً الدروز طائفة كافرة بأعيان أفرادها، وهي متميزة بالعقيدة الكفرية المخالفة للمعلوم بالضرورة كما سبق في النوع الأول، وكذا الإسماعيلية والبهرة والقاديانية والبهائية، أما الروافض فما في كتبهم كالكافي وغيره كفر بلا نزاع، ولكن كثيراً منهم بل جُلُّ عوامهم لا يعرفون شيئاً عنها ولا عن غيرها، بل هؤلاء من أجهل الجهلة، وهم كما لو قلنا: عوام المسلمين من أهل السنة ماذا يعرفون عن البخاري؟ هم يعظمون البخاري، لكنهم لا يعرفون شيئاً عن حياته، لكن هؤلاء مع ذلك أعلم من الشيعة، فعوام أهل السنة كثير منهم عرب، ويدركون كثيراً جداً من المعاني عندما يقرءونها، أما الروافض فمعظمهم من الأعاجم، حتى عندما يقرأ القرآن لا يفهمه، فضلاً عما هو في تلك الكتب الكفرية، فمعظمهم لا يعرفون شيئاً عنها، إنما عنده أن الكافي كتاب عظيم القدر، أو هو الكتاب المعتمد الأول بعد القرآن، فهم لا يعرفون عن هذه الكتب شيئاً ولا عن غيرها، وإنما هم مقلدون لأئمتهم في الضلال، ولا يثبت أن الحجة قد قامت على أعيانهم في سب أبي بكر وعمر، ولو ثبتت إقامة الحجة على أحدهم يكفر؛ فالراجح عدم تكفير عوامهم، أو عدم تكفيرهم بالعموم، ولذلك لو أنهم يحجون ويصومون ويصلون معنا، ولا يعلمون شيئاً عما في كتبهم، فهم منا، ولكنهم يبغضون على بدعتهم، ولا يحكم أن هذه الفرقة كلها كافرة؛ لأن فيهم من لم تقم عليه الحجة، وهكذا الصوفية، فلا شك في كفر كثير من أقوالهم، ولكن يوجد فيهم من لا يعتقد هذه الأقوال الكفرية، ويوجد في من يعتقدها من يتأول الأدلة تأويلاً لا يصل في حقه أن يكون مخالفاً للمستفيض المعلوم بالضرورة، فهو يتأول الأدلة بطريقة تجعلنا نقول: تأويله هذا لا بد فيه من أن تقام عليه الحجة، أو تزال شبهاته قبل أن يحكم عليه بالكفر، لأنه غير مخالف للمعلوم بالدين بالضرورة في حقه هو.
أما صاحب الكافي الكليني فالظاهر أنه زنديق منافق، ومن قرأ كلامه يكاد يجزم بكفره، وهذه قناعة أكيدة في أن هذه بدعة، كما لا شك أن مؤلف هذا الكتاب زنديق منافق في الدرك الأسفل من النار.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ونحن نعلم بالضرورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعوا أحداً من الأحياء والأموات، ولا الأنبياء ولا غيرهم، لا بلفظ الاستعانة، ولا بلفظ الاستغاثة، ولا بغيرهما، كما أنه لم يشرع لهم صلى الله عليه وسلم السجود لميت ولا إلى ميت -يعني: إلى قبر يستقبله- ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن ذلك كله، وأنه من الشرك الذي حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يبين لهم ما جاء به صلى الله عليه وسلم.
لأن البعض مثل أبي بصير، وهو من مؤلفي كثير من الكتب والرسائل في الدعوة الوهابية، وكثير ممن تبعه على ذلك، يقول: إن العذر بالجهل يدخل في المسائل الخفية كبعض مسائل الصلاة والوضوء.
وهذا كلام خطأ، فإن مسائل الوضوء والصلاة ليست من مسائل التكفير أصلاً، ولكن الذي يقول: إن هذا كفر لا بد أن يكون في مسائل الاعتقاد، أو مسائل عملية مشهورة جداً، ومع ذلك فالأمر عند شيخ الإسلام ابن تيمية أن الاستغاثة بالأموات، والاستعانة بهم، والسجود لهم وإليهم هذا لا يكفر به حتى تقام الحجة، وهذا واضح من كلام شيخ الإسلام: لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يبين لهم ما جاء به صلى الله عليه وسلم.