[من محاذير اختلاف التنوع: انشغال أفراد كل جماعة بما تراه]
من هذه المحاذير الواقعة حالياً وسابقاً: أن يكون انشغال الأفراد والجماعات بما يرونه أفضل الأعمال سبباً لتركهم الواجبات الأخرى التي تمثل الحد الأدنى من الالتزام بالإسلام.
يعني: أن الذي ينشغل بعمل معين يراه هو فقط دون ما سواه، ويهمل الواجب العيني عليه في الجوانب الأخرى، فكما أنه لابد أن يكون المجاهد مصلياً للفرائض، صائماً لرمضان، كذلك يجب أن يكون المصلي مزكياً صائماً مجاهداً جهاد فرض العين، وهكذا لابد أن يحقق أبناء الصحوة الحد الأدنى في مجالات العمل الإسلامي اليوم.
فلا يجوز أن يكون الاشتغال بعلم الحديث سبباً للجهل بالعقيدة أو الفقه أو الحلال والحرام الذي هو فرض عين على المسلم، فتجد البعض قد انشغل بطرق الحديث ورجاله، وهو لم يتعلم كيف يؤمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والرسل والقدر، ثم إذا سألته في أي مسألة أخرى لربما ظن نفسه عالماً وتكلم بأي كلام لأنه حقق حديثاً أو أخرج كتاباً.
فلا بد أن يتحقق القدر الأدنى الذي لا يسع المسلم جهله فيما يجب عليه من معاني الإيمان والإسلام وصلاح القلوب، كما لا يجوز أن يكون طلب العلم والاهتمام بالإعداد العلمي والتربوي سبباً لترك ما يجب على الأفراد والجماعات من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالضوابط الشرعية كما هو حاصل من بعض الاتجاهات.
فالبعض قد يرى المنكر أمام عينيه، ويرى الضياع التام وانحراف الشباب، وتجده على علم شديد، ويبذل جهده في العلم، ولكن لا دخل له بما يدور حوله مطلقاً، وتتعجب منه كيف بذل كل همته في طلب العلم، ومع ذلك ليس له أي دور في الدعوة إلى الله، ولا حتى في تعليم الناس، وأقصى شيء يفعله لهم هو أن يهتم بواحد منهم فقط، وهذا خلل كبير بلا شك، فأنت إذا رأيت المنكرات وخالطتها فعليك أن تغير هذه المنكرات بما تقدر عليه بموجب الضوابط الشرعية.
وكذلك لا يجوز لطلاب العلم مثلاً في وقت الجهاد أن يتركوا الجهاد العيني بحجة انشغالهم بطلب العلم، وقد صدر عن بعض المشايخ المعاصرين قولهم قالوا للناس: اذهبوا إلى البوسنة لتعلموا الناس؛ لأن أولويات العمل عندنا هي التصفية والتربية، وهذا كلام خطير جداً وفهم غير صحيح لمسألة التصفية والتربية، وما المانع أن يتم الأمران معاً، إن هذا هو الواجب حالياً؛ لأن العدو هجم عليهم في بيوتهم وبلادهم، وقتل نساءهم وأطفالهم وسباهم، ثم هم يقولوا للناس: لابد من طلب العلم أولاً، فنقول: لا مانع من طلب العلم تزامناً مع الجهاد الذي هو فرض عين، فهل نأمرهم بترك الدفع عن أنفسهم وأهليهم وأعراضهم وأموالهم للتعلم؟ لا.
بل أنا أبذل جهدي في تعليمهم مع الدفاع عنهم.
وهكذا أيضاً لا يجوز أن يترك المجاهدون الواجب عليهم من العلم الذي هو فرض عين، وهذا حاصل أيضاً من أصحاب الجهاد، فهم يقولون: نحن مجاهدون وحسب ولا دخل لنا بطلب العلم، ويقولون: اتركوا هذه الكتب الصفراء، بل هناك من يقول: لا أحد يكلم الناس في الشركيات؛ لأنها ستفرق الأمة، وهذا حصل بالفعل في أفغانستان، بل وصل الأمر إلى أن تتصدر الفرق الضالة المنحرفة أشد الانحراف والذين يعتقدون العقائد الكفرية ويكون منها القادة والرؤساء، ويقال: فلان هذا هو الزعيم الذي يمكن أن نجتمع حوله.
حتى إنك لتجد بعض المجاهدين يشربون المخدرات ويبيعونها.
وهذه قضية خطيرة بلا شك، وكان مثل ذلك سبباً من أسباب عدم نضج الثمرة التي بذل فيها ما بذل من دماء أبناء الصحوة الإسلامية المعاصرة.