[الخلاف بين أهل السنة والصوفية خلاف في القضايا الكبرى]
كذلك التقارب بين السلفية والصوفية؛ لأنه أيضاً مخالف للقاعدة الذهبية النبوية في التحذير من البدع, والتمسك بالسنة على منهج الخلفاء الراشدين، وليس الخلاف بين أهل السنة والصوفية هو في مجرد أمور يسيرة يعذر فيها، بل في قضايا توحيد الربوبية والإلهية، فاعتقاد أن الكون له أقطاب يدبرونه، هذا من الشرك في الربوبية، وكذلك من الشرك اعتقاد جواز الدعاء والذبح والنذر والطواف للأولياء، بينما يقول عمر التلمساني: إن هذه مسألة تذوق, فالذي يجد راحة نفسية عند قبور أولياء لا حرج عليه في الذهاب إليها وشد الرحال إليها، هذه مسألة وهو حر يعمل ما يريد، ومعروف ما الذي يحصل عند قبور الأولياء، ومعروف أن هناك شركاً، لكن هو لا يرى أن ذلك من الشرك.
هناك قضايا أساسية تمنع التقارب مع الصوفية، فهم مثلاً عندهم غلو فظيع جداً في المقبورين، كذلك في قضية القضاء والقدر فهم جبرية، كما أنهم يرون سقوط التكاليف عن أئمة الصوفية، وكذلك نفارقهم في معاني ولاية الله، فنحن عندنا ولاية ربنا سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:٦٣]، بينما الأولياء عند الصوفية هم الذين تقع منهم خوارق العادات ولو كانوا من أفجر الفجرة.
ربما تجد الواحد من الصوفية مسجل في قائمة الخطرين في شرطة الآداب، وعنده مخدرات، ونصاب وجرت على يديه شعبذة.
وأنواع من السحر، وحينها يصبح ولياً من أولياء الله! وأنا أعرف أحد الأقارب -كان والدي يحكي لي عنه- الله أعلم به على أي شيء مات، لكنه كان تاركاً للصلاة، وللصيام، والعياذ بالله! وله مولد كبير جداً في محافظة المنيا حالياً, فلما كان يقول له: صل, يقول له: الصلاة وسيلة, ومعنى كلامه: أنا وصلت, وهذا كفر بواح والعياذ بالله وخروج من الملة, لذلك فإن معاني الولاية معاني خطيرة جداً عند الصوفية.
كذلك العلاقة بين الحقيقة والشريعة، فالحقيقة هي الأمور الباطنة عند الصوفية، والشريعة هي الأمور الظاهرة، فعندهم انفصال في هذا الأمر فأصحاب الشريعة لا يفهمون شيئاً وهم الفقهاء، وأصحاب الحقيقة هم الصوفية الذين لا تلزمهم الشريعة، فهذا الانفصال أمر خطير، إذ لا يجوز الانفصال بين الحقيقة والشريعة، ولا يكون صاحب حقيقة باطنة شرعية من يخالف الشريعة الظاهرة؛ لأن هذا خلاف في الاتباع؛ لأنهم يرون أن السنة لا يمكن الاتباع لها إنما لابد من طلب الشيخ, ومن ليس له شيخ فشيخه الشيطان ونترك الكتاب والسنة, ولو عارض كلام المشائخ الأحاديث الصحيحة تترك؛ لأن الشيخ أفهم.
كذلك قضية الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي هي عمدة عقائدهم الفاسدة، وأنواع الضلالات التي تبنى على هذه الأحاديث الموضوعة.
كذلك قضية الاتباع وعندهم هي قضية مهملة بل مضيعة.
ومنهج التزكية أيضاً عندهم فيه خلل خطير، إذ عندهم أعمال القلوب التي تمدح وتطلب من مثل الفناء والدهش والهيمان ونحو ذلك، أما عبادات العوام فهي تنتقص وتزدري لدى السائرين وهي مثل الصبر والحب والخوف والرجاء؛ لأن فيها شعوراً بوجود الإنسان نفسه، وهي ليست على أعتاب الفناء.
وهذه المسائل كلها تجعل من المستحيل أن تجتمع الصوفية مع المنهج السلفي السني.
كذلك مسألة مراتب الأولياء، فهم فوق الأنبياء، وهذا ابن عربي يقول: إن مرتبة الولي دون الرسول وفويق النبي! والعياذ بالله، فقدر الأولياء عندهم أعلى قدراً من الأنبياء.
هذا فضلاً عن العقائد الكفرية التي يتبناها أئمتهم من الحلول والاتحاد والإباحية والجبر والفناء وغير ذلك، ومن أئمة الجبر الحلاج مثلاً، وهو عند كل الصوفية من كبار الأئمة، الذي يدافع عنه البعض دفاعاً مستميتاً, ويعد الذي حصل له مأساة كبيرة جداً؛ لأنه كان يقول: لا إله إلا الله ما في الجبة إلا الله، وهذه الجبة جبته هو، والعياذ بالله! وأما الاتحادية فأكثر من الصوفية، مثل: ابن عربي، وابن الفارض، وابن سبعين، فـ ابن عربي اسمه الكبريت الأحمر والقطب الأكبر، وأما ابن الفارض فهو سلطان العاشقين، وأقوال الدسوقي وابن عطاء الله والمرسي أبو العباس وغيرهم من الاتحادية في أورادهم وكلامهم في وحدة الوجود فظيعة جداً.
وجميع الطرق الشاذلية التي ينتمي إليها ابن عطاء وأبو العباس المرسي، إلى يومنا هذا يتناقلون جزءاً من الأوراد المنقولة عن الحسن الشاذلي نفسه -الله أعلم بصحته- وهي مما يتفق عليه بينهم رغم تشعب الطرق الشاذلية، وهي أكثر الطرق انتشاراً في مصر، فيقول في هذا الورد: اللهم انشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة.
وهذه الوظيفة اليومية لديهم، وكلما بحثت عنها أجدها في جميع الأوراد: اللهم انشلني من أوحال التوحيد، نعوذ بالله، كلام كفر بواح، وأغرقني في عين بحر الوحدة، أي: وحدة الوجود.
أما الجبر والإباحية التي هي الجبر المطلق ومشاهدة العبد للحكم، فهذه قاعدة بشعة، مع أن ابن القيم يحسن الظن بهم جداً وبشيخه الهروي الذي يقول: إن مشاهدة العبد للحكم لم تدع له استحسان حسنة واستقباح كبيرة، الحسنات والسيئات كلها أصبحت سواء؛ لأنه يشاهد حكم الله سبحانه وتعالى، فهي محتملة التأويل، لكن المفهوم عنده هكذا، وتأويله صعب وتكلف حتى نتأول: أنه لم يستحسن حسنة ولم يستقبح السيئة، ولا بد أن يستحسن الإنسان خلق الله في الحسنة والسيئة؛ لأنه من صفات الله عز وجل أنه خلق الحسنات والسيئات.
هذا حسن من الله أم لا؟ لا بد أن يكون حسناً؛ لأن هذا فعل الله، وأفعاله كلها كمال، ولكن المشاهدة لم تدع له استحسان حسنة، فواضح أنه يتكلم على المخلوقين، إذاً: هذا لا يقع في السيئة، ولا الشرك، ولا الكفر، وهذا الحكم القدري الكوني.
ومن العقائد: عقيدة الفناء، وأحسن أحواله: الفناء عن شهود السوى.
أي من سوى الله، يعني: إن أحسن أحواله أن نحمله على أنه غاب بمذكوره عن وجود غيره، من كثرة الذكر لم يعد يشعر بالذي حوله, ولما ينتبه يعرف الحقيقة فهذه محاولة التأويل في الحقيقة لكلامهم.
أما كلامهم الصريح فلا، فمثلاً أبو اليزيد البسطامي ينقل عنه أنه يقول: سبحاني، سبحاني ما أعظم شاني!! وابن القيم يقول: إنهم كانوا مجانين وقتها.
فهذا التأويل الوحيد أنه مجنون لما قال ذلك الكلام، لكن من يقول: سبحاني، سبحاني ما أعظم شاني!! يستحق القتل بلا شك، ثم هم في منازل عالية أنت لا تفهمهم، وأنت لم تصل إلى درجتهم حتى تفهم معنى: سبحاني سبحاني ما أعظم شاني!! واحد من الصوفية هنا ممن خبا صوته يقول: لما سيدنا أبو اليزيد البسطام يقول: سبحاني سبحاني ما أعظم شاني! قصده أن الإنسان يتخلق بأخلاق الله وبصفات الله! يعني: هو يقر بكلمة أبو اليزيد البسطامي وأنها كلمة جيدة، ومعناها هكذا, فيؤولها مع أن هذا في الحقيقة كلام كفر لا يؤول، بل يمكن تأويل كلام اليهود والنصارى القائلين بالأقانيم الثلاثة ولا يمكن التأويل لمن يقول: سبحاني سبحاني ما أعظم شاني!! وسلطان عاشقيهم وهو ابن الفارض في التائية يقول: ذاتي لذاتي صلت ولها كان سجودي في كل ركعة وإذا خر في البيد للأصنام عاكف فلا تعد بالإنكار للعصبية يعني ذاك من التعصب، فلا تنكر على من يركع ويسجد للأصنام، ومعناها: دع الناس تعبد الأصنام.
والتائية هذه فيها من الكفر أنواع عجيبة والعياذ بالله، وهو يقول عن نفسه: سلطان العاشقين.
إذاً: هذه هي الصوفية، وهل أحد من الصوفية يستطيع أن يتبرأ من ابن عربي أو ابن الفارض أو الدسوقي أو الشاذلي؟ لا يمكن حتى أن يتبرأ من هذه الأقوال، بل يقول: سيدنا أبو اليزيد البسطامي يقول بعضهم: سبحاني سبحاني ما أعظم شاني!! لكن معناها كذا.
هذا لمن عندهم، وهذا الكلام مذكور في كتبهم المطبوعة وليس في كتبنا نحن، مثل فصوص الحكم لـ ابن عربي.
ثم بعد ذلك نقول في تربيتنا الروحية للأستاذ سعيد حوى: دعوة سلفية وحقيقة صوفية.
ويقول: إن الشيخ حسن البنا نقح هذا الكلام، وفي الحقيقة هو لم ينقح شيئاً بل هناك تعتيم على مثل هذه المسائل لدى الأتباع، لكيلا يكون الأمر غير واضح لديهم، وأن هناك فروقاً هائلة، وأن أصل الصوفية الفلسفية لدى المتأخرين ممن ضربنا أمثلتهم هي خروج عن ملة الإسلام، وهذا هو الذي فتح باب الغلو المعروف الآن في مظاهر عبادة القبور ونحو ذلك.
هذه أحد أنواع الخلافات، لكن أنواع الخلافات التي عند الصوفية هي في الربوبية والإلهية والقضاء والقدر، ومعاني ذات الله، والعلاقة بين الحقيقة والشريعة والاتباع، والتزكية، ومراتب الأولياء فضلاً عن خلافاتنا معهم في قضايا مثل الحلول والاتحاد والإباحية والجبر والفناء وغير ذلك من أصول الإسلام الكبرى والإيمان باليوم الآخر، وفي أصول الإيمان والإسلام هناك خلافات هائلة مع الصوفية، وإن كنا لا نعمم الحكم على جميعهم بأنهم من أهلها، فنحن لا نقول: الصوفية كلهم يقولون بوحدة الوجود، مثلما يميل البعض إلى ذلك، فنحن نعلم أن منهم من لا يقوله لكن عندهم من البدع والضلالات أضعافاً مضاعفة، إلا أنهم يتسترون بأئمتهم وإن نفوا عنهم حقيقة مذهبهم.
والعلاج الواجب في هذا السبب، ليس بأن نتوقف ما بين السنة والبدعة، أو أننا نقرب ما بين الاثنين، أو أن نقول للناس: هذا العلم مشكلة من المشاكل.
العلاج الواجب في هذا السبب من أسباب الافتراق بين المسلمين: هو الانتصار للسنة، ومحاربة البدعة وقمعها، فهذا خلاف لا ينبغي ولا يجوز؛ لأن موقفنا مع أهل البدع هو: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).
فالاجتماع المأمور به ليس مجرد الاجتماع ولو على أي منهج، بل نجتمع على منهج واحد وطريق واحد هو طريق أهل السنة والسلف رضوان الله عليهم، ول