إن البدع المختلف فيها تدخل تحت الخلاف السائغ، فمن الناس من يرى بدعية وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع، ومنهم من يراها هي السنة المشروعة، ومنهم من يرى بدعة الاعتمار من التنعيم، والبعض يرى أنها سنة مستحبة، فمثل هذا الخلاف مما يسوغ فيه الاجتهاد.
وسنذكر أمثلة للخلاف السائغ، وهذه الأمثلة فيها صعوبة لدى الكثير خاصة في المسائل الاعتقادية، ومنتشرة كثيراً في المسائل العملية، لكن المسائل الاعتقادية والعلمية يندر في أصولها هذا النوع، خاصة في المسائل الكبرى منها كأصول الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره؛ والأسماء والصفات والربوبية والألوهية.
فهذه كلها من الأصول الكبرى وكلها من المعلوم: إما من المعلوم من الدين بالضرورة، أو المجمع عليه بين أهل العلم، والمقصود بالمعلوم من الدين بالضرورة: هو ما انتشر علمه بين المسلمين حتى علمه العام والخاص والعالم والجاهل.
أما المجمع عليه بين أهل العلم: فهو الذي يعرف العلماء الإجماع فيه، وإن لم يكن منتشراً بين عوام المسلمين، فهناك أشياء مجمع عليها، لكن ليست منتشرة بين العوام، فالمسائل المجمع عليها بين أهل العلم غير معلومة من الدين بالضرورة.
فمثلاً: أجمع العلماء على أن القول بخلق القرآن كفر، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وهذا مجمع عليه، لكن هذه المسألة ليست منتشرة بين العوام، واسأل أي واحد في الشارع فلن تجده يعرفها.
لكن القول بأن الله واحد، وأن القرآن كلام الله، وأن جبريل هو الذي أتى بالوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى رسول الله، وأن موسى رسول الله، وأن إبراهيم خليل الله ورسوله؛ كل هذا مجمع عليه بين العلماء وهو معلوم من الدين بالضرورة.
فكل الناس تعرف أن سيدنا إبراهيم نبي ورسول، وكلهم يعرفون سيدنا موسى وسيدنا عيسى، ويعرفون القيامة والجنة والنار، ولو جاء واحد يخالف شيئاً من هذا، لقلنا له: هذا كفر -والعياذ بالله- فهناك أشياء مجمع عليها وإن لم تكن مما يعلمها عوام الناس، كأنواع الشفاعة، فإنه مجمع على أنه يوجد شفاعة لخروج العصاة الموحدين من النار، لكن هذا ليس معلوماً من الدين بالضرورة في زماننا هذا، بل حتى في الأزمنة القديمة.