وموانع التكفير والتفسيق هي: الجنون والصغر والجهل الناشئ عن عدم بلوغ الحجة والخطأ والنسيان والإكراه والتأويل.
وهذه الموانع كأحكام عامة لا يعرف عن علماء السلف اختلاف في اعتبارها، ونرى أن الخلاف في عدم اعتبارها أصلاً ليس سائغاً.
ومع ذلك هناك فتاوى قديمة لبعض العلماء وفتاوى لبعض المعاصرين يقولون فيها: فلان هذا كافر وإن لم تبلغه الحجة أو عنده جهل وإن كان في أدغال أفريقيا، والجهل منتشر هناك، ومع ذلك يحكم بكفره.
وبعضهم يقول: إنه يعامل في الآخرة معاملة الممتحن، وحكمه في الدنيا كافر.
فالحقيقة أن هذه المسألة ليست هكذا، فهي ليس فيها خلاف سائغ عند السلف، رغم وجود بعض الخلاف عند المعاصرين، وهذا خطأ منهم -والله أعلى وأعلم- وأنا لا أشك في خطئه، فـ ابن تيمية ينقل الإجماع على ذلك، والاتفاق عند السلف قائم على عدم وجود مسائل اسمها مسائل أصول يكفر فيها المخالف، ومسائل اسمها فروع لا يكفر فيها المخالف؛ فالمسألة مبناها على نوع الدليل في المسألة.
فالذي يخالف في عذر الإكراه مثلاً ويقول: حتى ولو أكره يكون كافراً، والذي يخالف في عذر التأويل ويقول: حتى ولو كان متأولاً أي تأويل فهو كافر، فقد أخطأ خطأً بيناً؛ لأن السلف اتفقوا على ذلك، لكن الخلاف السائغ في هذه هو عند تطبيق هذه الأمور، فقد أتفق مع أحدهم أن العذر بالجهل عذر لكن أختلف معه في أشخاص معينين، فأقول: هؤلاء جهلة، ويقول: هؤلاء غير جهلة، وهؤلاء قامت عليهم الحجة، فهذا خلاف سائغ؛ لأن هذا خلاف في في تحقيق المناط.
فنحن متفقون على أن الجهل عذر -والمقصود: الجهل الناشئ عن عدم البلاغ- ومختلفون في أن هؤلاء وصلتهم الحجة أم لم تصلهم، والبعض يعتبر وجود الدعوة فقط كافٍ، والبعض يقول: الدعوة لم تنتشر الانتشار الكافي بين الناس، وهناك فتوى للشيخ ابن باز رحمه الله يقول فيها: إن بلادنا وبلاد غيرنا فيها من أهل التوحيد مثل أنصار السنة، وبالتالي فالناس متمكنون من أن يصلوا إلى الحجة.
وأنا أقول: الحقيقة أن أنصار السنة انتشارهم محدود الأثر، ولا نقول: إن الأمر انتشر بين المسلمين حتى صار من المعلوم في الدين بالضرورة.