[الاختلاف في بعض مسائل الصلاة]
ومن الأمثلة: وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر بعد الركوع وإرسالهما، أما قبل الركوع فهناك اتفاق من أهل الحديث على ثبوت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام، رغم أن هناك من يخالف كالمالكية، ولكن نرى أن هذا خلافَ ما صح وثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في مشروعية الضم عند القيام، وأن الأمر على الوجوب، ولكن البعض يقول: يستحب أن يضم يديه، وله أن يرسلهما بدون وضع على الصدر.
لكن الذي لا شك فيه هو مشروعية وضع اليدين على الصدر، أما بعد الرفع من الركوع فهذا الذي وقع فيه خلاف بين أهل الحديث من أجل العمل بعموم حديث: (كان إذا صلى وضع يده اليمنى على اليسرى)، وأنه كان يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم في القيام، فهنا يمكن أن يقال: هو القيام الأول، ويمكن أن يقال: هو كل قيام في الصلاة، وهذا أظهر من جهة العمل بالعموم.
لكن هذه مسائل فيها خلاف بين أهل العلم، والخلاف فيها سائغ بلا شك، حتى من يقول: إن وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع يعد بدعة، وهذا قول الشيخ الألباني، وبعض طلاب العلم يظن أن هذا القول معناه أن الذي يعمل هذا فهو مبتدع، ونحو ذلك، مع أن كونه بدعة أصلاً فيه نظر.
وقد ذكرنا أن مسائل البدع أيضاً يدخل فيها مسائل الخلاف، أعني: أن من البدع ما هو متفق عليها ومن البدع ما هو مختلف فيها، والخلاف في المختلف فيها سائغ.
والبعض يقول: إن هذا عموم لم يعمل به السلف، والعموم الذي لم يعمله السلف العمل به بدعة، والبعض الآخر يقول: لم ينقل عن السلف أنهم كانوا يرسلون إلا من كان يرسل قبل الركوع، فمثل هذا لا شك أنه خلاف سائغ، حتى ولو قال بعض العلماء: إنه بدعة فهذا رأيه ومذهبه، ولا يعني ذلك إلغاء الخلاف في المسألة، فهو لم يقل: إن المسألة مجمع عليها ونحو ذلك وإنما هذا ما يراه هو، وبالتالي إذا وجدنا خلافاً بين المشايخ الكبار في هذه المسألة أو بين طلاب العلم لا يلزم من ذلك تباعد ولا افتراق ولا تبديع.
فالقول بأن هذا الفعل بدعة لا يلزم منه تبديع المعين الذي فعلها متأولاً أو مرجحاً قول من يقول: إنها سنة.
والحقيقة أنها أقرب إلى السنة.
ومنها: هل يكون النزول على الركبتين أم على اليدين في السجود؟ فهذه مسائل تأخذ من بعض طلاب العلم المبتدئين كراسات ومجلدات وأبحاثاً طويلة جداً.
وقد اتفق العلماء في هذه المسألة على صحة الصلاة بكلا الأمرين، وأنه سواء نزل بركبتيه أم نزل بيديه فالصلاة صحيحة والاختلاف إنما هو في الأولى، وفي أيهما أفضل.
ومنها قراءة الفاتحة خلف الإمام خاصة في الجهرية، فالمسألة كلها خلافية وخصوصاً في الجهرية، والخلاف فيها قوي، ونحن نرى وجوب القراءة خلف الإمام.
ومسألة الاعتداد بالركوع أم اشتراط قراءة الفاتحة في صلاة المسبوق مسألة اجتهادية، وقد نقل بعض العلماء الإجماع على صحة الركعة التي أدرك فيها المأموم الركوع، وهذا وهم منهم بلا شك، فإن المسألة فيها خلاف من عصر الصحابة إلى يومنا هذا، وقد نقل الإمام البخاري قول من يقول: لا تحسب ركعة لا يقرأ فيها الفاتحة، قال: وهو قول كل من يقول بوجوب القراءة خلف الإمام، والقول بوجوب القراءة خلف الإمام منقول عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة وأبي هريرة وعبادة بن الصامت وغيرهم من الصحابة، ومن الصحابة من يرى عدم القراءة خلف الإمام، وهذا مما وسع فيه الخلاف عندهم فيسع من بعدهم.
ومن المسائل المختلف فيها: جلسة الاستراحة، فمن العلماء من يقول: جلسة الاستراحة مشروعة مطلقاً، ومنهم من يقول: من كبر في السن أو كان مريضاً فيجلس للاستراحة، والأرجح أنها مشروعة مطلقاً ويتركها المصلي أحياناً.
ومن المسائل المختلف فيها: حكم الصلاة في المساجد التي بنيت على القبور هل تبطل أم تحرم مع الإجزاء؟ ونحن هنا نتكلم عن رجل صلى في مسجد به قبر، ونحن لا نرى الخلاف سائغاً في جواز الصلاة، فهناك نصوص واضحة وصريحة بل ومستفيضة في النهي عن اتخاذ القبور مساجد، ولعن من فعل ذلك، وهذا لا يحتمل كراهة التنزيه ولا الجواز، ولا يحتمل النسخ كما تقوله الصوفية.
وبالتالي فنحن نقول بتحريم الصلاة في المساجد التي بنيت على القبور بأدنى الدرجات، واختلف في صحة الصلاة، فقال بعضهم: الصلاة باطلة فتعاد، وقال آخرون: هي صحيحة ومجزئة مع الإثم، وبعضهم فصل فقال: إذا قصد التبرك بالصلاة إلى جوار صاحب القبر فصلاته باطلة، ومن صلى مروراً فصلاته صحيحة مع الإثم، وأرجح الأقوال فيما نرى القول الأخير الذي فيه تفصيل.
أما مسألة اتخاذ القبور نفسها مساجد فخلافنا مع الصوفية فيها خلاف غير سائغ، وتوجد جماعات إسلامية تصلي في المساجد التي فيها قبور، وترى أن الأمر فيه سعة كجماعة التبليغ وبعض مشايخ الأوقاف، ويقولون: المسألة فيها خلاف، فنقول لهم: هذا الخلاف غير سائغ؛ وذلك لثبوت النهي عن النبي عليه الصلاة والسلام، والخلاف الذي نراه سائغاً مسألة هل الصلاة باطلة أو صحيحة؟ فإن النصوص صريحة في التحريم، ولا يوجد صارف لهذا النهي عن التحريم، بل كل القرائن تؤكد تحريم الصلاة في المساجد التي بنيت على القبور، أو تحريم الصلاة إلى القبور أو عندها.
ومن المسائل المختلف فيها: هل يجب قضاء الفوائت المتروكة بدون عذر أم لا يجوز قضاؤها أصلاً؟ فلو أن رجلاً ترك الصلاة عدة سنوات أو أيام أو شهور، فالأئمة الأربعة على وجوب القضاء، وأنه يلزمه قضاء كل هذه الصلوات أما الظاهرية وخصوصاً ابن حزم وطوائف من العلماء من أتباع المذاهب كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ومن وافقهم يرون عدم جواز قضاء الفوائت المتروكة؛ لأن الصلاة المتروكة عمداً بدون عذر قضاؤها غير مقبول أصلاً؛ ولذا يأمرونه بمزيد من النوافل ولا يؤمرونه بقضاء الصلاة، وهذا الذي نميل إليه من جهة الدلالة.
ومن المسائل المختلف فيها: هل تصلى صلاة النفل التي لها سبب في أوقات الكراهة كتحية المسجد ونحوها؟ وهذه المسألة فيها خلاف سائغ، والذي أراه أنه يصليها؛ لأنها صلاة لها سبب.