[من محاذير اختلاف التنوع لدى الجماعات: تحقير أعمال الجماعات الأخرى]
المحذور الثالث الذي يجب تجنبه لتحقيق هذا التكامل المنشود هو: أن يربى الأفراد داخل هذه الجماعات على تحقير الأعمال والعلوم الأخرى التي ليس لجماعته اهتمام كبير بها في سبيل حصر اهتمامهم وجهدهم في تنفيذ ما يطلب منهم، فطالب العلم لا يحقر الداعية، والداعية لا يحقر طالب العلم، أو أن هذا يقول: هؤلاء أصحاب كتب، والثاني يقول: هذا لا يفهم شيئاً، إنما يجمع الناس قليلاً ثم يتركهم يرحلون، وهذا يلاحظ في أماكن كثيرة متعددة، فتجد من فتح الله عليه في باب تبليغ الناس الحق، وعنده قدرة تامة على الوعظ يزدري طالب العلم، وطلاب العلم يزدرون الفريق الآخر، فلا شك أن التحقير لأعمال وعلوم الآخرين بدلاً من الشعور بأهمية كل منها هو الذي يولد الضغائن والبغضاء والأحقاد، وإذا أضيف إلى ذلك السخرية من الآخرين كان البلاء أشد، ودخل مسلسل الغيبة والنميمة والاتهام الباطل.
يكفينا في علاج هذا أن نلتزم بقول النبي صلى الله عليه وسلم:(بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)، وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ}[الحجرات:١١]، ولقد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته على عدم تحقير أي عمل صالح يصدر من أي مسلم أو مسلمة، إذ بل ربما يكون فيه نجاته، ألم نعلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن بغياً من بغايا بني إسرائيل دخلت الجنة في كلب سقته؟ ألم نعلم أن من أسماء الله تعالى الشكور الذي يشكر القليل من العمل ويغفر الكثير من الزلل؟ ألم نعلم فضائل الأعمال التي تقوم بها الاتجاهات الإسلامية على اختلافها سواء طلب العلم أو الدعوة أو الجهاد ونحوها، وكل هذه الأعمال لها فضائل على اختلافها، وقد ذكرت فضائلها في الكتاب والسنة، حيث وردت النصوص في فضيلة طلب العلم والدعوة والعبادة والتزكية والجهاد والنفقة في سبيل الله، ونصرة الدين، فكيف يتسنى لنا بعد ذلك تحقير شيء من هذه الأعمال والاستهزاء بأصحابها، والتهوين من أهمية هذه الأعمال والعلوم؟ إن النظرة المريضة بالاستعلاء على أصحاب العلوم والأعمال الصالحة الأخرى والتي لا تهتم بها الجماعة التي ينتمي إليها الفرد باعتبار أن الأولويات التي تحددها الجماعة هي وحدها الحائزة على الصواب لابد أن تختفي من بيننا نحن أبناء الصحوة.
وإذا جهل علينا أحد بالتحقير لعملنا وجهدنا لم نقابله بتحقيره هو وعمله، ولا بذكر مثالبه وعيوبه، بل نذكره بفضيلة ما نعمله وفضيلة ما يعمله، وأن كلا العملين مطلوب، فلا يجوز أن نسمح لطالب الفقه أن يحقر طالب الحديث، ولا أن يحقر طالب الحديث من خرج للدعوة، ولا أن يجعل الخارج للجهاد عمل الآخرين هباء منثوراً لا قيمة له، ولا أن يحقر الداعية طلب العلم، ولا أن يكون الساعي على الأرملة والمسكين مستشعراً أن صلاح الأمة بعمله دون عمل من سواه، بل ننشر روح المحبة على الخير، ونمدح صاحبه، أفلا نحب ما يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ أفنحزن إذا وفق الله عبداً إلا طاعة لم نقم نحن بها؟ أليس أقل واجب أن نحبه على طاعته وندعو له بالتوفيق ونرجو له تمام الخير؟ ولا يجوز لنا أن نمن على أحد بعلمنا ولا بعملنا بل لله المنة علينا أن هدانا للإسلام ووفقنا للعمل بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فالله عز وجل غني عنا وعن عملنا؛ فلا نمن على الله ولا على الناس ولا على المسلمين، ولا نقول: إن المسلمين كلهم تابعون لنا في هذا، أو إننا أصحاب الفضل في هذا، إنما الفضل لله عز وجل.