ومما اختلف فيه ستر المرأة وجهها عن الرجال الأجانب هل هو واجب أم مستحب، وكذلك اختلف في وجوب النقاب والجلباب أو استحبابه، أما القول ببدعته فهو بدعة بلا شك.
فعندنا في هذه المسألة أقوال: قول بوجوب النقاب، وقول باستحباب، وهناك قول لبعض الجهلة أن النقاب ليس من الدين وأنه بدعة، وأن التي تلبس النقاب آثمة! وهذا القول عندنا بدعة وضلالة، والخلاف فيه غير سائغ.
وهل يمكن أن يكون هناك اختلاف فقهي يصل إلى هذه الدرجة ويكون سائغاً؟ نعم، يمكن أن يقول عالم: هذا مستحب، والثاني يقول: هذا واجب، والثالث: يقول: هذا حرام، مثل الخلاف في وجوب القراءة خلف الإمام، فـ أبو حنيفة يقول: تحرم القراءة خلف الإمام، والذي يقرأ خلف الإمام صلاته باطلة، والإمام الشافعي يقول: قراءة الفاتحة خلف الإمام فرض، والذي لا يقرؤها صلاته باطلة.
وهذه مسألة ما فيها أحوط، بينما بعض المسائل فيها أحوط، مثل أن يقول عالم: هذا حرام، والثاني يقول: هذا مباح، فالأحوط أن تتركه، أو عالم يقول: هذا مباح، والثاني يقول: هذا واجب، فالأحوط أن تعمله، أو عالم يقول: هذا مستحب، والثاني يقول: هذا واجب، فالأحوط أن تعمله؛ لأن هذا يخرجك من الخلاف فعلاً، لكن لو قال عالم: هذا حرام، والثاني قال: هذا فرض، فمثل هذا ليس فيه أحوط، والواجب على الناس تجاه هذا الخلاف أن العالم يجتهد، وطالب العلم يرجح بين الأقوال، والعامي يقلد من يثق فيه.
وقد ذهب جمهور العلماء قديماً وحديثاً إلى استحباب ستر الوجه، وقال بعضهم بالوجوب، فالمسألة فيها خلاف سائغ، وهذا باتفاق، ومن الخطأ أن يقال: إن هذه المسألة لا تحتمل المناقشة، أو إن من قال بغير قولنا فليس منا! أو ينظر إلى المرأة التي كشفت وجهها على أنها امرأة فاسقة، أو أنها امرأة سافرة تستحق أنواع الازدراء، أو أن الرجل الذي يترك امرأته تكشف وجهها رجل ديوث! هذا كله منكر ينكر على صاحبه؛ لأن هذه المسألة مما يسع فيها الخلاف، ولا أعلم في ذلك اختلافاً إن شاء الله.