للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرد على القائلين بإمكانية التقارب بين السنة والشيعة]

توجد عدة محاولات للتقريب بين السنة والشيعة، والزعم بأن خلافهم خلاف سياسي مضى زمنه ومقتضياته, والسكوت عنه أولى.

يقول: هذا خلاف سياسي على الإمامة.

وانتهى الموضوع.

لا، فهذا أمر اعتقادي، لابد أن نعتقد أن المجتمع المثالي الذي ننشد مثله هو عهد الخلافة الراشدة، وهو امتداد طبيعي للمجتمع المسلم في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ونعتقد أن الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي , وأنهم في الفضل كذلك: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي , وليس هذا الأمر بموضع خلاف حتى يقال: يمكن السكوت عنه، وقد يظن البعض أن هذا -يعني: السكوت عن الخلاف- هو مقصود السلف من قولهم بالإمساك عما شجر بين الصحابة من خلاف, وهذا باطل لا شك؛ لأنهم لم يختلفوا في أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله تعالى عنهم، والذي حصل هو الخلاف على أي الأمور يبدأ بها في الفتنة التي وقعت, هل القصاص من قتلة عثمان، أم توطيد البيعة لـ علي رضي الله عنه؟ هذا الخلاف الذي حدث، والإمساك المقصود عند السلف هو عن وقائع الفتنة وتفاصيلها بعد مقتل عثمان , وليس عن الإقرار بخلافة أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، ويلزم كذلك الإقرار بفضل أبي بكر وعمر على علي رضي الله عنه، فالمخالف في أي من المسألتين، مسألة الخلافة بالترتيب، وتفضيل أبي بكر وعمر على علي مبتدع.

والشيعة إما أن تطعن في الخلافة مثل الإمامية، أو تنتقد الخلافة مثل الزيدية القائلين بتفضيل علي على أبي بكر وعمر، مع أن الخلافة عندهم صحيحة لـ أبي بكر وعمر وعثمان، لكن علياً أفضل منهم جميعاً، وهذا قول مبتدع باتفاق أهل السنة, فضلاً عن المسائل الأخرى التي يبدع فيها الرافضة, فضلاً عن المسائل الكفرية التي يقول بها غلاتهم.

أما الرافضة فإن الكتب المعتمدة عندهم مليئة بأنواع الضلالات والكفر من الغلو في الأئمة، وإن كان الأمر يحتاج إلى إقامة حجة كما تقام الحجة على الصوفية ونحوهم، بل عقيدة الصوفية أصلاً أخذت معظم ضلالاتها عن الشيعة، والرافضة، وما انتشرت الصوفية بغلوها إلا بعد ظهور الدولة الباطنية المسماة بالفاطمية التي كانت تعلن الرفض وتبطن الإلحاد.

إذاً: تفضيل علي على أبي بكر وعمر بدعة، أما الذي يفضل علياً على عثمان فهو مخطئ لكن لا يضلل ولا يبدع؛ لأنه من شيعة أهل السنة؛ فمن السلف الأوائل من يقدم علي على عثمان في الفضل، أما المتأخرين فقد حصل عندهم اتفاق على تقديم عثمان على علياً في الفضل كما هو في الخلافة.

فمن قال: الخلفاء أبو بكر ثم عمر ثم علي يبدع، ولا يوجد أحد يقول بهذا، فالذي يقول بالخلافة إما أن يطعن في خلافة الثلاثة، أو يقول: الخلفاء الثلاثة خلافتهم صحيحة لكن علياً أفضل.

فضلاً على أن الزيدية دخلوا في مذهب الاعتزال، وهذا أصل ظهور مذهب الزيدية، وهو تقديم علي على الثلاثة في الفضل, ولكنهم يشهدون بخلافتهم ولا يتبرءون منهم.

وسبب تسمية الرافضة بذلك: أنهم رفضوا إمامة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما طلبوا منه أن يتبرأ من أبي بكر وعمر فأبى فرفضوا أن يجعلوه إماماً فسموا رافضة، وأتباع زيد ظلوا على الإقرار بصحة إمامة أبي بكر وعمر ولكنهم غلوا في فضل علي , فقالوا: علي أفضل, وعلي رضي الله عنه ثابت عنه أنه قال: لا يؤتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلاجلدته حد الفرية، وثبت عنه عن ابنه محمد بن الحنفية أنه قال: يا أبت! من أفضل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أوما تعلم يا بني؟ قال لا، قال: أبو بكر قال: ثم من؟ قال: ثم عمر، قال: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين.

وهذا ثابت في البخاري , ومجمع عليه بين أهل السنة.

فالمسألة التي يخطأ فيها المخالف ولايضلل هي مسألة تفضيل علي على عثمان، فترتيبهم في في الفضل مثل ترتيبهم في الخلافة.

أما الزيدية فعندهم بدع اعتزالية, مثل إنكار صفة الرؤية في الدار الآخرة، والقول بخلود مرتكب الكبيرة في النار, وهم أصبحوا معتزلة في سائر العقائد ما عدا مسألة التفضيل, فإن المعتزلة أكثرهم لا يفضلون علياً على أبي بكر وعمر.

وهؤلاء الرافضة عندهم غلو شديد في الجملة في آل البيت, وعندهم أقوال مكفرة، فكيف يتصور بعد هذا أن يوجد من ينادي بالتقارب معهم؟ ومع ذلك وجد من قيادات الإخوان المسلمين من يدعو إلى التقارب مع الشيعة، والأستاذ حسن البنا كان عضواً في لجنة التقريب بين السنة والشيعة, وفي بعض الكتب تصور مع أعضاء لجنة التقريب بين السنة والشيعة, والتقريب هذا كله مبناه على أننا ننظر إلى ما نحن متفقون عليه.

نقول: والذي نختلف فيه ماذا نعمل فيه؟ يقول الدكتور القرضاوي: نستخدم مع الشيعة القاعدة الذهبية: نجتمع فيما اتفقنا فيه, ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.

وهذا يؤكد لنا منهجهم الموجود في التعامل, وهم يتعاملون مع جماعات كثيرة جداً من أهل البدع في مثل هذه المسائل، التبليغ توصل لأصول الدعوة بقولها: يجب ألا يخوض الناس في أمراض الأمة، ولا في الشرك ولا في البدع, ومن صنع ذلك فهو خارج عن خط الجماعة، ولا شك أن كثيراً منهم لا يظهر الموافقة على هذه المسألة، وبالنظر إلى أصل أئمة الجماعة يعرف سبب ذلك، فقد كانوا أناساً صوفيين أو أحد الجماعات الصوفية.

فجماعات كثيرة من الجماعات الصدامية لا ترى غضاضة في اجتماع أهل السنة وأهل البدع في سبيل إزالة الحكم العلماني، مع أن السكوت على البدع الشركية يؤدي إلى خلل عظيم جداًً، هذا الكلام يطبق عملياً في جماعات الجهاد في أفغانستان- وإن لم يكن هناك جهاد في الحقيقية- فهي لم تجد غضاضة في التحالف مع الإسماعيلية، رغم أنهم كفرة، ومع ذلك فقد تحالف الجهاديون مع الطائفة الإسماعيلية والشيعة ومع إيران, فمنهج هؤلاء الجهاديين قائم على هذا، ولذلك حكمتيار لما تدهور الحال في أفغانستان ذهب للإقامة في إيران.

فهذه المناهج أصلاً منبعها إخواني، فبعضها كان صدامياً, وبعضها نتيجة الجهل قامت بتحالفات خاطئة إلى أن وصل الأمر بهم إلى التحالف مع الشيعة بغرض الوصول -في تصوره هو- إلى إقامة الحكم.

يقول: لم تعد هذه بدع ولا فرق بيننا وبينهم، لكن العلاج الحقيقي هو في الحذر من البدع.

إذا: القاعدة الذهبية هي: (عليكم بسنتي وإياكم ومحدثات الأمور)، لا أننا نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، هذه القاعدة عندما تطبق في الخلاف السائغ يكون فيها اجتماع, مع أننا في الخلاف السائغ يلزمنا أن نبحث عن الأدلة ونحو ذلك، ومع ذلك لابد أن يعذر بعضنا بعضاً فيما عذر فيه السلف بعضهم بعضاً، أما في الخلاف غير السائغ مع أهل البدع خصوصاً فهذا من أخطر الأمور في المناهج غير الموافقة للسلف.

وفي الحقيقية فإن مشايخ الأزهر ولجان التقارب بين السنة والشيعة التي كانت تحت راية الأزهر يرون ذلك, وما زالوا يرون أن الشيعة لهم مذهب معتبر، والفتاوى تصرح بأن الشيعة الإمامية أحد المذاهب المعتبرة.

وأول من اخترع مصطلح المذاهب الثمانية هو محمد أبو زهرة مؤلف التراجم عن أتباع المذاهب الثمانية, ومن هي المذاهب الثمانية؟ أقرب المذاهب إلى طرق أهل السنة هو المذهب الزيدي بعد المذهب الظاهري، ولما دخل الشوكاني والصنعاني في مجال الفقه المقارن بكتبهم المشهورة -التي أثرت علم الفقه المقارن- كان هذا سبباً في انتشار المذاهب الزيدية التي لم يتعود أهل السنة من قبل على ذكرها، وعلى ذكر الأئمة من الزيدية، وبعده يأتي المذهب الإباضي، ثم مذهب الإمامية، فأصبحت بذلك ثمانية.

وهذا منهج موجود أصلاً في جهات متعددة، وليس وليداً أو حادثاً, فالأمر لا شك خطير للغاية.

هذا غير الخطر الناتج من تقريب هؤلاء المبتدعين، وهل حصل فعلاً تقارب حقيقي أم أنه تقية منهم؟ فهم لا يتغيرون وعداؤهم لأهل السنة وتكفيرهم لهم بات، ومحاولة النيل منهم بكل طريقة عبر التاريخ مذكورة.

وموقفهم في أفغانستان واضح جداً، فحزب الوحدة الشيعي ما صنع شيئاً مطلقاً أمام الشيوعيين, وترك الجهاد نهائياً، ولما بدأ التنافس الداخلي ظهر حزب الوحدة الشيعي، وظهرت أطماعهم الشديدة، فلم يشارك في الجهاد وإنما كان يعد نفسه للوثوب على السلطة أو جزء منها عندما تقسم الكعكة.

والتاريخ يثبت دائماً موقف الرافضة في صف أعداء الإسلام، وسوء معاملتهم لأهل السنة إذا ظهروا عليهم، فأهل السنة في إيران إلى اليوم من أشد الناس اضطهاداً، فهم يضطهدون أشد مما يضطهد المتدينون الآن في البلاد الإسلامية المختلفة، فأهل السنة هناك في السجون تصب عليهم أنواع التعذيب والقتل، ولا أحد يعرف عنهم خبراً رغم أن الدولة تحاول أن تخدع أبناء المسلمين بأنها ثورة إسلامية، وليست إلا شيعية رافضية جعفرية اثنا عشرية.

وما مواقفهم في تأييد التتار، و

<<  <  ج: ص:  >  >>