ومن المسائل المختلف فيها: هل لكل أهل بلد رؤيتهم للهلال أم يلزم جميع البلاد رؤية بلد واحد؟ من أكثر المسائل التي تحدث فرقة في القلوب قضية اختلاف المطالع، والصوم والفطر في توقيتات مختلفة، والخلاف في هذه المسألة خلاف سائغ، فينبغي ألّا لا تفسد الأخوة الإيمانية بين المسلمين، وعند التأمل في كل مذهب من المذاهب الأربعة تجد القولين داخل المذهب الواحد نفسه.
وبالتالي نقول في هذه المسألة: إن الذي يأخذ بأحد القولين فيها لا يظهر مخالفة أهل البلاد، ولا ينكر عليه أحد، فلا يقال له: أنت مفطر عمداً في رمضان، ويجب عليك القضاء والكفارة؛ لأنه متأول بلا شك، وهذا أمر اجتهادي، وحتى لو تغير قوله بعد ذلك فلا يقضي ما فاته من الأيام التي كان يفطرها.
فالذي يغلظ في هذه المسائل مخطئ، وإنما يفعل من يفعل هذا مجتهداً لا أنه تعمد الفطر في رمضان، وإنما اعتقد أن اليوم يوم عيد فوجب عليه أن يفطر.
وبعض العلماء يقول: ثبوت الرؤية بأي وسيلة يلزم جميع أهل البلد الذين هم تحت سلطان واحد، ويجعلها حكماً يسري على الجميع، ولكن هي مسألة فتوى واجتهاد وليست مسألة حكم.
وهذا مثل لو أن قاضياً رأى -على سبيل المثال- أن يد السارق تقطع في ربع دينار وليس في عشرة دراهم، فهذا الحكم ليس لازماً.
وكذا لو رفعت امرأة طلقت ثلاثاً أمرها للقاضي، والقاضي حكم بأن طلاق الثلاث يقع ثلاثاً، ونفذ ذلك الحكم، فالمسألة مسألة حكم طالما فيها خصومة، والمرأة هذه تحل للأزواج، بالرغم من أنه يمكن لزوجها أن يأخذ بقول من يقول: الطلاق الثلاث يقع واحدة، لكن القاضي حكم بالقول الأول وانتهى الأمر، لأن المسألة مسألة حكم، أما المسألة كفتوى ففيها سعة.