[الخلاف في تكفير الخوارج والرافضة والمعتزلة]
ومنها تكفير بعض أهل البدع كالخوارج والرافضة والمعتزلة، فهذه مسألة خلافية بين العلماء.
والرافضة: هم الذين يسبون أبا بكر وعمر.
والخوارج: هم الذين يكفرون بالكبائر.
فالمسألة فيها: خلاف بين العلماء، والراجح فيها أن أقوالهم أقوال كفرية والمعين لا يكفر حتى تقام عليه الحجة.
فمن العلماء من يحكم عليهم بأنهم خارج فرق الإسلام، ويقول: هؤلاء كفرة نوعاً وعيناً، وعامة العلماء على عدم تكفيرهم، وأكثر العلماء يطلق عدم التكفير ويقولون: ليسوا كفاراً.
وهذا ظاهر المنقول عن علي رضي الله عنه في الخوارج، والشافعي كلامه في الرافضة نص صريح، فإنه قال: تجوز شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية -وهم فرقة من الرافضة وليسوا كل الرافضة- فإنهم يستحلون الكذب، فأما باقي أهل الأهواء فتجوز شهادتهم.
وهذا الكلام من الإمام الشافعي رحمه الله يدل على أنه ربما لا يفسق بعضهم أيضاً.
يعني: أن هذه البدعة لا تقتضي فسقه إذا كان متأولاً ولم تقم عليه الحجة.
فالراجح في هذه المسألة: أن فرق الرافضة والخوارج والمعتزلة أقوالهم كفر، والمعين منهم إذا أقيمت عليه الحجة يكفر، وقبل إقامة الحجة لا يكفر، ومن يراجع المسألة يجد أن الجمهور على عدم تكفيرهم، ولكن القول بتكفيرهم سائغ إذا قاله عالم مجتهد، وقد نقل عن مالك وعن بعض أهل الحديث تكفير الخوارج والرافضة.
ومسألة تكفير الروافض الآن كثرت جداً من طلبة العلم، بل قد تجد الإجماع عليه عندهم؛ نتيجة أن المشايخ الذين أفتوا بذلك ما بينوا الخلاف القديم فيها، وأن أهل السنة ما زالوا يعاملونهم ضمن أهل الإسلام، رغم أن الذي في كتبهم كفر لا شك فيه.
ولكن في مسألة التكفير لوازم ينبغي مراعاتها، فالرافضي قد يقبل ما يقوله مشايخه، لكنه لا يلتزم هذا الكلام ولا يعرفه، فمثلاً: ليس كل رافضي يعرف ما في كتاب الكافي، وهكذا ليس كل سني يعرف ما في البخاري، ولا يعرف ما في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.
وعوام الشيعة الذين يأتون يصلون معنا في الحرم ويحجون ويعتمرون ونحو ذلك هل نقدر أن نقول: إن كلهم عارفون ما في كتاب الكافي؟ حتى مشايخهم ربما يكونون مقلدين، فتجد شيخاً لابساً عباية ولكنه مقلد لأئمتهم في الضلال والعياذ بالله.
ولا شك أن الأقوال الموجودة في الكافي أقوال كفر صريح، ولكن لا يلزم من ذلك تكفير كل شيعي رافضي.
وبالتالي نقول: جمهور العلماء على هذا، وهذا هو الراجح، فإننا لا نكفر بالعموم ولا بغير إقامة حجة.
فالذين يسبون الصحابة ارتكبوا معصية عظيمة، ومن يسب الإمام ومن يكفر من بشروا بالجنة فكلامه هذا كلام كفر، والرد على الرسول صلى الله عليه وسلم يلزم منه الكفر، لكن هو عنده أن الرسول ما قال كذا، أو عنده أن الرسول بشرهم بالجنة لو صدقوا، فعنده تأويلات، فلا بد من إقامة الحجة، ثم إن عوامهم نشئوا على هذه العقائد.
فإن قيل: فهل يمكن أن نكفر رءوسهم وعلماءهم؟ فنقول: لا؛ لأن كثيراً منهم جهلة في الحقيقة، وبالتالي فلا بد في المعين عموماً أن ننظر هل قامت الحجة عليه أم لا؟ وإلا فـ نافع بن الأزرق كان رأساً في الخوارج، وكان ابن عباس يناظره ويبعث له ويذكر له أدلة وقال: وما أراك خارجاً منها، يعني: أخاف أنك لن تخرج من النار، لما كان يكذب بخروج الموحدين من النار، فكان ابن عباس يراسله ويبعث له بالأجوبة في المسائل الفقهية والمسائل الاعتقادية، وكان يناظره مناظرات عديدة ويلتقي به، فلو كان ابن عباس يرى ردته ما كان جالسه، مثلما فعل أبو موسى لما قتل الرجل الذي تهود بعد إسلامه فقال معاذ رضي الله عنه: لا أجلس حتى يقتل؛ قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتله أبو موسى رضي الله عنه.
فهل عاملوا أهل البدع بنفس الطريقة التي عاملوا بها مسيلمة الكذاب؟ لا، وإنما كانوا يكاتبونه ويراسلونه مثلما كان ابن عباس يراسل نافع بن الأزرق.
وبالتأكيد فإن الأمر مختلف، فمن يراجع أبواب الردة من كتب الفقه سيجد كثيراً من هذا النوع الذي هو اختلاف في تكفير بعض أصحاب البدع والاعتقادات والأقوال الفاسدة، فتجد من يقول: قال الحنفية: يكفر، والراجح عندنا أنه لا يكفر.
فتجد أن عندهم مسائل في الردة فيها خلاف.
وبالتالي فهذه مسألة اعتقادية لا يضلل فيها، فعند أن تجد من يقول في مسألة معينة: الراجح أنه يكفر أو يقول: الراجح أنه لا يكفر، تعرف أن هذه مسألة لا يضلل المخالف فيها، وأن الخلاف فيها خلاف سائغ.