[القاعدة الذهبية لجماعة الإخوان وإمكانية تطبيقها على أرض الواقع]
كانت القاعدة المسماة بالقاعدة الذهبية التي وضعها الأستاذ: حسن البنا رحمه الله وغفر له قابلة للتطبيق حتى في هذا النوع من الخلاف.
وهذا أمر طبقه البنا في حياته، لكن عندما جاء عمر التلمساني وحاول تطبيق هذه القاعدة، وذكر أن سنياً تقابل مع أحد الشيعة عندما أتى لزيارتهم في الأربعينات، فسأله عن الخلافات التي بينهم وبين الشيعة، فقال لهم: كتابنا واحد، وقرآننا واحد، وملتنا واحدة، وأصلنا واحد فلم يجبهم بالحقيقة، فنشأ جيل يقول بأن الشيعة والسنة لا خلاف بينهم، إلا أن يكون الخلاف سياسياً مثلاً، والأستاذ يوسف القرضاوي يقول هذا الكلام صراحة ويقول: إن القاعدة الذهبية: نجتمع فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه مع الشيعة الرافضة سبابي الصحابة، والذين يعتقد بعضهم تحريف القرآن -والعياذ بالله- والمغالين في الأئمة كما لا يخفى موضعه في الكتب الأساسية المعتمدة في مذهبهم المليء بالكفر.
أقول: فإنه لو قيل بتطبيق هذه القاعدة في الخلاف السائغ -السابق بيانه- مع الاجتهاد في معرفة الحق والعمل به لكانت قاعدة صحيحة، وليس معنى إذا ما قلنا بصحتها: أن كل واحد له حق الاجتهاد في الحق، وله أن يطبق القاعدة في الخلاف السائغ إذا ما طبق منهج الصحابة والسلف كما بينا في الخلاف السائغ، أي: أنه وسعهم أشياء اتفقوا على إقرار كل فريق على أن يعمل بما يراه كما نقل ابن تيمية رحمه الله الإجماع على هذا.
أما أن تطبق هذه القاعدة مع أهل البدع كالرافضة فيشجع مثلاً التقريب بين السنة والشيعة أو السنة والصوفية وتصبح الدعوة: عقيدة سلفية وحقيقة صوفية، ويتأول المتأولون الضلالات والمنكرات حتى طلب المدد من غير الله، ودعاء غير الله ليدخل في دائرة خلاف الفروع كما يسمى، كما فعل سعيد حوى في كتاب تربيتنا الروحية، إذ يقول: نحن سننصح: أنه لا يحبذ أن يقولوا: مدد يا سيدي فلان، وإن كان هذا عنده من باب أسألك مرافقتك في الجنة.
فهذا كلام في منتهى الخطورة، إذ كيف يكون: أسألك مرافقتك في الجنة، كما لو قال أسألك الجنة؟ إذاً: يجوز أن يقول له: أسألك الجنة على أنه وسيلة للوصول إلى الجنة، نعوذ بالله! بمعنى أنه: لو سأل أحدهم مقبوراً فقال له: أسألك الجنة وأعوذ بك من النار.
لكان قوله عند أحد من هؤلاء المؤولين الذين يؤولون أفعال الصوفية من باب قول الصحابة للنبي عليه الصلاة والسلام: أسألك مرافقتك في الجنة، كأن الرسول سيعطيه الجنة، بل هل تعلم ما يقولون عند القبور؟ إنهم يقولون: يا شيخ فلان دلني على طريق أسلكه حتى أكون معك في الجنة، مع أنه يعلم أن الشيخ لن يرد عليه إذ إنه ميت، ولكنهم يعتقدون أن الشيخ موكل بتوزيع المنازل والمقامات، فيأتي من يؤول هذا لكي يصبح قولهم: مدد يا سيدي فلان قول صحيح غير أنا نستحسن أن يقولوا: مدد يا رب فهذا كلام في منتهى الخطورة بلا شك، وكان يفترض بالأستاذ سعيد حوى ألا يقول: إن الذكر اللفظي المفرد الذي هو بدعة بلا نزاع في الحقيقة بين أهل العلم المعتبرين جائز بإجماع أهل الطرق، أي إجماع أصحاب المنهج الذي يسلكه أهل التزكية فهم عنده أقصر الطرق إلى الله، أي: أن البدعة والضلالة الحقيقية تصبح هي أقصر الطرق إلى الله، ثم يقول: حتى لا نُغضب السلفيين: إن الذي يريد أن يستعمل الجملة المفيدة يستعملها، يعني: يقول: سبحان الله والحمد لله سيصل أيضاً.
فهو يريد أن يبين معنى ما كتبه من أن دعوتنا سلفية وحقيقتها صوفية، وهو أيضاً يشجع التقارب مع الشيعة والصوفية وأصحاب بدع التأويل والتحريف بل يزداد الأمر خطورة حين يحاول البعض -قد قرأنا وسمعنا بأنفسنا آراء من هذا القبيل- أن يطبق قاعدته الذهبية مع العلمانيين المعتدلين كما يسمونهم.
وبالتالي هذا التطبيق حاصل منذ الاندماج مع الأحزاب، فيزعمون أن من العلمانيين من هو معتدل، أي: لا يظهر القول بأن الإسلام باطل لكنه يقول بمضمونه.
ومنهم المتعصبون الذين يصرحون بأن الإسلام باطل فنجد من يقبل التعايش والتقريب مع المعتدلين الذين يقبلون المنهج الإسلامي شكلاً ويرفضونه مضموناً، كالتحالف مع حزب الوفد وحزب العمل، أو في الحقيقة يستحون أن يعلنوا رفضهم لاسم الإسلام، ولا يستطيعون أن يقبلوا حقائق هذا الدين، هذا في غمار قبول التعددية والحرية، وعدم مصادرة الرأي الحر، وفتح باب الاجتهاد، وغيرها من شعارات أخبث وأصرح في مخالفة الإسلام كالديمقراطية والوحدة الوطنية ونحوها، كل هذا حتى يوصف هؤلاء أنهم معتدلون يقبلون الحوار، ويمكن إدخالهم في اللعبة السياسية، فهذا كله من أخطر ما يواجه الصحوة الإسلامية، إذ يفرغ الشعار من حقيقته، فيبقى الاسم ويختفي المضمون، ويصبح الأمر مجرد إلباس المبادئ الباطلة أثواباً إسلامية وأسماء إسلامية.
فمثلاً الديمقراطية حقيقتها ديمقراطية، ونحن سنسميها شورى، وفي النهاية سيستفتون على شرع الله، وسيحصلون على الأغلبية في مسألة تعطيل الحدود، ثم يسمونها شورى، وهذا نهايته التمكين لأهل الباطل والنفاق باسم الإسلام، وليس التمكين لدين الله سبحانه، وتظل الشعوب في سكر الوهم الناتج عن الشعار إلى أن تصدم بالحقيقة المرة بعد حين.
كما صنع صدام حسين عندما خدع الملايين من العالم الإسلامي عند إعلانه الحرب على الخليج بدعوى أن ما يقوم به جهاد مقدس ضد الأمريكان، فكان إعلان الاسم والحقيقة تظل علمانية بعثية كما هي، فالاسم جهاد والمسمى علمانية حتى حظي بتأييد عوام المسلمين في المشرق والمغرب، نسأل الله العافية.
يقول: فيكون الأمر طعنة قاتلة للعمل الإسلامي لأجيال عدة وليس لبضع سنوات.
هذا الخلل يظهر جلياً في بعض الأقطار التي لم تلتزم حركتها الإسلامية بمنهج أهل السنة وآثرت هذا الفهم المشوه بمسائل الخلاف على القاعدة النبوية الذهبية، التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: (وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة).
رأينا حركات إسلامية جاهدت سنين طوالاً ضد الكفر والنفاق، وضحت بالدم والمال، ونال شرف الشهادة كثير من أبنائها لإعلاء كلمة الله، وإذا بهم عند قطف الثمار يقبلون في صفوفهم غلاة الرافضة في تحالفات مشبوهة.
وبالفعل هذا ما يحدث اليوم، فمليون مسلم يقتلون في المعارك، والله أعلم بمن استشهد منهم، ويسمونهم شهداء ونحسبهم شهداء عند الله عز وجل والله حسيبهم، ولكن في النهاية نجد أن طوائف كثيرة جداً يتحالفون مع الشيعة أو مع غلاة القبوريين كالرؤساء والأمراء وهم يعلمون حقيقتهم، فماذا نتوقع لمستقبل هذه البلاد؟ لذلك خذلهم الله، فالتجمع الذي يسمونه معارضة الآن وقت كتابة هذه المقالات في أول مرة كانوا هم الحاكمين وكانوا يقولون: لا بد أن يصبح مجددي أحد الرؤساء المطروحين للدولة في أفغانستان، وهو رجل قبوري، وحزب الوحدة الشيعي أصبح له أعضاء في البرلمان فقد تحصل على عشرين في المائة من المقاعد، فالله خذلهم خذلاناً شديداً.
ماذا نتوقع لمستقبل هذه البلاد؟ رأينا في بلاد غيرها تحالفات مع الاتجاهات العلمانية الاشتراكية دون تنازل أصحابها لا عن اسمها ولا رسمها ولا حقيقتها كتركيا ومثله في اليمن نفس التحالفات مع الأحزاب الإخوانية وكانت نتيجة تلك التحالفات هي تضييع العمل الإسلامي، ولم تحصل أي نتيجة، والأمثلة كثيرة متعددة، وللأسف لا يدرك الناس خطر هذا الأمر إلا بعد عشرات السنين، ألم تكن ثورة الجزائر أصلاً جهاداً إسلامياً؟ ألم يكن الضباط الأحرار يوماً أعضاء قد أقسموا بالبيعة للمرشد العام للإخوان المسلمين؟ بالفعل كان كذلك فـ عبد الناصر والسادات وغيرهم كلهم كانوا أعضاء في قيادة سرب الإخوان المسلمين، وأقسموا على المصحف المشرف، على السمع والطاعة والجهاد في سبيل الله إلا أن كان ما وقع للإخوان على يد كل من عبد الناصر والسادات، كما أن الإخوان يعلمون أنهم غير ملتزمين، لكن قبول المبادئ المنحرفة والتحالفات المشبوهة جعلهم يدخلونها لنيل مصالح سياسية.
ألم يعلم الإخوان في أفغانستان أن الشيعة حلفاء الشيوعية ومع ذلك قبلوا بمشاركتهم في الحكومات الإسلامية؟ بل وصل الأمر إلى تحالفات مع الإسماعيلية الباطنية.
ألم يناد البعض حتى ممن ينتمي إلى منهج السلف إلى قادسية صدام؟ فالجزائر مثلاً كان من أتباع الخط السلفي من يبدي تأييده لـ صدام، نسأل الله العفو والعافية.
وهذا كان موقف جبهة الإنقاذ، فقد كانوا يؤيدون صدام في الجهاد ضد أمريكا، وأشد منهم بعض الااتجاهات في دول الخليج فقد كانوا يقولون: قادسية صدام عندما كانت الحرب مع إيران فيقولون: قادسية صدام في وجه العدوان الفارسي المجوسي، فلما انقلب عليهم صدامهم عرفوا أنه بعثي كافر يحارب المسلمين، فأصدرت الفتاوى بتكفير صدام حسين، وتكفير حزب البعث، ومن الغريب أن ثمان سنين من الحرب مع إيران لم تظهر فيها أي فتوى أو توجيه واحد للسادات بأن صدام حسين بعثي بل كانت قادسية صدام، وهناك اتجاهات إسلامية أخرى ذهبت وقابلت صدام حسين، والبعض قال: إن لديه التزاماً في الأسماء والصفات بمنهج السلف.
فمما يدعو للاستغراب أن الناس تتعامل بهذا المنهج المنحرف، ثم عادت العلاقات بعد ذلك مع الجيران الإيرانيين وينادى بحسن الجوار مع العدوان المجوسي الكافر لتحسن العلاقات مع الدولة الإيرانية بعد ذلك، حتى يأتي أحد زعماء الرافضة ويبصق على قبر الشيخين ويسبهما علناً، وإذا جاء من ينكر عليه فلابد من إبعاده مع أن الأمر كان ملحوظاً جداً، نسأل الله العفو والعافية.
ولو أن هذه الأمور تصدر عن غير الإسلاميين لما استغربت؛ لأنهم عندهم الميكيافلية المشهورة، ولكن صدورها من بعض الرموز الإسلام