للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ضرورة طلب العلم لحل الخلافات بين الجماعات الإسلامية]

إن طلب العلم صفة ضرورية لكل الدعاة إلى الله، بل لكل مسلم ومسلمة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، حديث صحيح.

وقد تظن بعض الاتجاهات الإسلامية أن الاهتمام بطلب العلم قد يضر بقضية السمع والطاعة -التي هي الجندية- المطلوبة لتحقيق التعاون على البر والتقوى، يعني: لكي يتم فعلاً تعاون على البر والتقوى لابد من جندي، ولابد من سمع وطاعة، ويرى أن من الذين سيطلبون العلم سيطالبون بالدليل على كل مسألة، ويقولون: قال الله، وقال الرسول، وهذا الكلام يخالف الحديث الصحيح، فيقول: إذاً: أحسن ألا يطلبوا العلم، فجماعة التبليغ يقولون: ما يصحبنا عالم، والإخوان عندهم نفس الأمر.

وأن الأيسر عليه في قيادة أتباعه ألا يكون منهم من يناقش ويسأل عن الدليل، ولماذا فعلنا كذا؟ ولماذا تركنا كذا؟ كما أن مسألة العاطفة مقدمة في التربية عنده على الفهم والعلم، أي: أن يكون عنده عاطفة إسلامية قوية، ومستعد لأن يبذل نفسه كلها حين تطلب منه، يعني: هو سيربي فيه العاطفة وعدم الفهم، أو العلم، وينشأ على ذلك.

وهذه العاطفة نحن نحبها منه لأنه يحب الإسلام، لكن نكره منه جهله وبدعه، فإننا نجد أن التبليغ أو الإخوان لديهم عواطف جياشة قوية جداً، وحب للخير وللدعوة وللبذل في سبيل الله وللتضحية، ولو كانت تضحية في مظاهرة من المظاهرات، نتيجة لعدم الفهم.

نقول: وهذا من أخطر الظن وأسوأ الظن، فإن الصحوة الإسلامية ليست بحاجة إلى جهلة يقودهم قادتهم كقطعان الماشية بلا دراية ولا معرفة، بل هذا يحرم الصحوة الإسلامية من أسباب نورها وصفائها, ومن موجبات الوقاية من الانحراف، ويفرغ الدعوة الإسلامية من مضمونها مع بقاء اسمها وشكلها؛ لأن من عنده علم -إن وجد بينهم- هو من سيقول للمخطئ: توقف أنت مخطئ، فيمكن للتابع أن يقول للمتبوع: لا هكذا غلط، فيوجد عندها محافظة على النقاء، ولن يدخل لنا في يوم من الأيام ضال مبتدع يترأس علينا، والناس يمشون وراءه في طريق الضلالة بدون فهم، وهذا يوفر جواً مناسباً لأهل الزندقة أن يترأسوا في يوم من الأيام، وللأسف هذا حصل مرات عديدة مثلما حصل في ثورة ثلاثة وعشرين يوليو، فالضباط كان معظمهم أعضاء ضمن جماعة الإخوان المسلمين, وبعضهم ضمن التنظيم السري مثل عبد الناصر شخصياً, ولكن نتيجة عدم وجود أي تفكير: هل يصلح مثل هذا الإنسان للترأس والظهور باسمنا أم لا؟ فقد يكون هو أصلاً في باطنه الزندقة والنفاق والضلال وحب الرئاسة فيخسف بكل معاني الدعوة، وهذا يؤدي إلى انحرافات عديدة.

كذلك الثورة الجزائرية بدأت ثورة إسلامية، ولكن سرعان ما تحولت إلى ثورة علمانية، والذين قطفوا الثمرة هم العلمانيون فذبحوا الإسلاميين وأنهوهم تماماً، وكل مرة تتكرر هذه المأساة يكون ذلك بسبب مثل هذه الأمور, لذلك نحن لا يلزمنا لأجل مصلحتنا ولكي نحقق الطاعة أن يكون الناس جهلة، بالعكس نحن نريد سمعاً وطاعة على بصيرة.

لذلك نقول: هذا من أخطر الأمور علينا جميعاً.

وإن كان هناك بالفعل عيب لدى الكثير من طلاب العلم يتمثل في عدم الامتثال وكثرة الاعتراض وضعف التعاون على البر والتقوى.

فهناك من يناقش ويجادل حتى ولو كان في أمر شرعي صحيح وظاهر، بل أصبح سمة عامة أن أي طالب علم لا يكون عنده تعاون على البر والتقوى, وهمٌّ لمصالح الدعوة، وليس هذا لعيب في طلب العلم بل لنقص في التربية.

إذاً: نحن نريد أن يكون عندنا الأمران معاً؛ طلب العلم والسمع والطاعة والالتزام، وجدية ومعاونة على البر والتقوى، فلا يصح أن نحثهم على العلم فقط، بل لابد من إذكاء روح العمل الإسلامي الشامل في نفوس طلاب العلم، وبيان مسئوليتهم عن أمتهم، وأن عاطفتهم نحو قضايا المسلمين هي في الحقيقة جزء من إيمانهم وإسلامهم.

فلا تجد طالب علم فعلاً ليس له علاقة بقضايا المسلمين، فهذا ليس طالب علم، فلابد لطالب العلم أن يشعر بالعاطفة الإسلامية، وهذه العاطفة تشتمل على معان إيمانية، ومعاني حب الخير للمسلمين، والتألم لآلام المسلمين، والحزن لحزنهم.

فكون طالب العلم حاملاً لهم المسلمين.

هذا جزء من معاني الإيمان والإسلام.

كما أن عملهم في الدعوة المنظمة التي تهدف إلى إقامة القلوب الضائعة في الأمة الإسلامية هو علامة عملهم بالعلم وإلا كان حجة عليهم لا لهم، وأن التزامهم بالسمع والطاعة لمن هو أعلم منهم وأمكن في قيادة العمل الإسلامي لتحقيق الواجبات هو علامة على انتفاء الكبر المذموم والحسد وحب الرياسة من قلوبهم.

فبهذا تعالج المشكلة وليس بالإبقاء على الذم والتحذير من طلاب العلم أو السخرية منهم، كمن يقول عنهم: أصحاب الكتب الصفراء، أو من يقول لمن يحفظ البخاري: زدنا من بخاريك! أو يخترع صفة للسخرية من طلاب العلم، كان هناك كاتب اسمه: ناصح أمين من الإخوان يقول: إن رجلاً أصر أن يدخل مع امرأته في شوال.

نكته ما حصلت ولا ستحصل؛ لأنه جاهل لا يفهم، لأنه قرأ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في العاشر من شوال، واستحباب الدخول في شوال، فأصر أنه يدخل في شوال.

هذا نوع من السخرية للذين يقرءون الكتب لكي يترك الناس القراءة والتعلم، ولا يبحثون في المسائل ونحو ذلك.

استمرار لدعوتنا نقية صافية دون تخريج الأجيال من طلاب العلم الواعين لمنهجهم العاملين به الداعين إليه، والله المستعان.

<<  <  ج: ص:  >  >>