وهكذا الخلاف في مريم هل هي نبية أم لا؟ فيها خلاف، وهل هناك أنبياء من النساء أم لا؟ قد قال بكل واحد من القولين فريق من علماء أهل السنة، والخلاف في مريم نقله ابن تيمية والنووي فنقلاً عن جماهير العلماء أنها ليست نبية؛ احتجاجاً بقوله تعالى:{وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ}[المائدة:٧٥] وقالوا: هذا في مقام الثناء، ولو كان لها وصف ثانٍ لوصفت به.
وهذا لا يلزم، لأنه من الممكن أن يثنى على إنسان بوصف أقل، مثل قوله تعالى في إبراهيم:{إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا}[مريم:٤١]{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا}[مريم:٤١] فهذا لا ينفي أنه خليل الرحمن.
ويستدل له أيضاً بقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ}[يوسف:١٠٩] فهذا يدل على أنه لا يوجد رسل من النساء.
ونقل القرطبي والقاضي عياض عن الجمهور عكس ذلك، فالمغاربة ينقلون عن الجمهور أنها نبية، والمشارقة ينقلون عن الجمهور أنها ليست نبية، والأمر فيه خلاف سائغ، والذي رجحه ابن حزم أنها نبية.
ودليل ابن حزم أنها تلقت الخطاب من روح القدس جبريل عليه الصلاة والسلام بأمر الله.
ولكن هذا ليس شرطاً أيضاً، فمن الممكن أن يسمع الإنسان الملك ولا يكون نبياً؛ فالنبوة شيء آخر.
والراجح فيها الوقف، والوقف معناه: أننا لا نرجح أحد القولين، والحقيقة أن هذا قول ثالث؛ لأننا نقول: إن البشر لا يعرفون هذا الموضوع، والأمر مربوط علمه بالله فنفوضه.
وهذه مسائل اعتقادية بالتأكيد.
فمن يخالف في نبوة سيدنا موسى وفي نبوة سيدنا عيسى يكفر؛ لأن هذه مسائل اعتقادية قطعية.