ومنها مسألة تكفير تارك الصلاة، فالمسألة هذه باتفاق العلماء خلافها خلاف سائغ، رغم أن هناك من يفتي أن الخلاف فيها غير سائغ، وأن المخالف فيها من أهل البدعة، والصواب: أن الخلاف فيها سائغ، لا ينكره إلا من لا يعلم الخلاف.
فتارك الصلاة ذهب إلى تكفيره أحمد في رواية وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن المبارك وغيرهم وذهب الجمهور مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد في رواية أخرى وقبلهم الزهري وعمر بن عبد العزيز وغيرهم إلى أنه كفر لا ينقل عن الملة، مع الاتفاق على أن من تركها جاحداً بوجوبها فهو كافر إن كان مثله لا يجهل ذلك.
فالخلاف في تكفير تاركها وليس جاحدها، وليس من يأبى الصلاة ويردها، وإنما من يقول: أنا متكاسل عنها، وأنا أعرف أن الصلاة فرض وسأحاول أن أصلي إن شاء الله.
فهذا الذي اختلف فيه، وكذا المباني الأربعة عدا الشهادتين اختلف في حكم تاركها تكاسلاً أو بخلاً.
فإن قيل: وحديث: (إذا صلحت صلح سائر عمله، وإذا فسدت فسد سائر عمله ودخل النار)؟ قلنا: لا يلزم من دخوله النار خلوده فيها، فيمكن أن يخرج بشفاعة الشافعين وبشفاعة أرحم الراحمين.
ومن رأى كفر تارك الصلاة، لا يقول عمن لم يكفر تارك الصلاة: هذا كافر أو هذا ضال مبتدع؛ من أجل أنه ما كفر تارك الصلاة، بل بإجماع العلماء أنه لا يضلل ولا يبدع، فنحن ما سمعنا قبل عصرنا الحاضر الذي ابتدع فيه بدعة الإرجاء أن أحداً من العلماء بدع مالكاً أو بدع الشافعي أو بدع أبا حنيفة من أجل أنهم لم يكفروا تارك الصلاة، أو رد على عمر بن عبد العزيز وقال: إنه مبتدع.
فهذا ما حصل أبداً ولم يؤثر عن أحد من العلماء أنه قال: هؤلاء مرجئة.