[معنى التمكين في الأرض وغرضه]
ليس التمكين في الأرض لطائفة الدعاة لغاية مخصوصة لهم، بل هي من وسائل الدعوة لتحقيق العبودية لله في أكمل صورها فهم لايريدون التمكين لكي يستريحوا من المتاعب كالمطاردات والمضايقات، لا بل من أجل أن تزداد عبودية الله عز وجل؛ لأن هذه أكمل في العبودية لذا نقول: الغاية الأساسية من الحياة هي العبودية لله عز وجل، وبهذا نصل إلى مرضاة الله ونصل إلى الدار الآخرة.
هذا التمكين منة من الله تعالى وليس بيد الدعاة ولا من كسبهم، قال الله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:٤١].
فالتمكين من أجل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وقد يزعم البعض أنه يريد التمكين لدين الإسلام وهو لا يصلي الفجر مثلاً، فهل ينتظر التمكين لكي يصلي الفجر؟ وهل يريد التمكين إلا لإقامة الصلاة، كما لا ينفع أن تقول: أنا سأدعو إلى الله، وغايتي التمكين للإسلام، وإعلاء كلمة الله.
وأنت لا تؤتي الزكاة الواجبة أو تكون قادراً على أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بدرجة من الدرجات وأنت لا تفعل ذلك، إذاً: أنت تريد التمكين لكي تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
لذلك لا يمكن أن يكون مقصدك التمكين لله عز وجل، وإعلاء كلمة الله، وأنت تتمكن من ذلك ثم تفرط فيه قبل أن يتحقق؛ لأن وسائل تحقيق العبودية كثيرة بحمد الله، وإنما المهم ألا يقصر الدعاة فيما يجب عليهم مما يقدرون عليه، أما الدعوات التي تجعل غايتها التسلط على رقاب الناس، أو الظفر بهم للانتقام؛ إذ إن هناك دعوات تتحول بعد مدة إلى أن يكون الهدف لمنتسبها أن يتسلط على هؤلاء وينتقم ممن آذاه أو يسعى وراء الملك والجاه والثروة والراحة تخلصاً من المطاردة والاستضعاف والفقر والخوف، فهذه ليست بالدعوات الربانية، كما أنه لا ييئس إذا لم يحدث التمكين، فهل أترك العمل لأني كنت أظن أني سأتمكن خلال كذا سنة ولم أتمكن، أو كنا نظن أن الدعوة إلى الله لابد أن تثمر ثمارها، وإذا لم تثمر، ولم يحصل الغرض المقصود لتقصير أو عجز، فهل معنى ذلك أن نسلك ذلك الطريق إذاً: أنت فعلاً جعلت التمكين هو الغاية، وليس وسيلة لتحقيق العبودية، فالتمكين وسيلة لتحقيق العبودية، وإذا كان مطلوباً ويحبه كل مؤمن فليس من أجل شيء إلا لمزيد من العبودية لله عز وجل.
وبالتالي فلا يظهر في سلوك الإنسان أنه إذا لم تثمر هذه الوسيلة تركها، ولا يجعلها غاية ويقول: أنا أريد أن أعيش، ثم يترك الالتزام، ويترك الدعوة إلى الله عز وجل، ولذا لا بد أن يعلم أن التمكين وسيلة وليس غاية، وإن غايته الله عز وجل، فالله وحده هو القادر على التغيير، ولا يستطيع أحد أن يقطع عنك ثواب الله، أو يمنعك من الجنة، لذا لا تيئس وتترك الالتزام، أو تحاول أن تنتقم ممن لم يستجيبوا لك وتتحول غايتك رأساً على عقب، أو تكون كمن يريد أن ينطح الصخرة ويريد أن يكسرها، حتى لو كسر رأسه ثم يظن أنه قد أدى ما عليه فيترك العمل محتجاً بأنه لم يثمر، وهذا ليس صواباً، فالذي عليك هو أن تطيع الله إلى أن تموت، بل وتجتهد في أن تأخذ الوسيلة الموصلة إلى الغاية، والعبودية هي الغاية، ومعلوم أن العبودية لله سبحانه وتعالى تتحقق في أي مكان، سواء كنت غنياً أو فقيراً، فالمسلم الرباني عبد لله في كل أحواله وأوقاته، فقيراً كان أو غنياً، ممكناً كان أو مستضعفاً، مظلوماً في ظلمات السجون، أو ملكاً ممكناً على رءوس الناس.
فندعو الله عز وجل أن يرزقنا الإخلاص والعمل الصالح في كل حين.
فالربانية من سمات الدعوة إلى الله وهي التي تمنحها صفة الاستقرار، فهي لا تتلون بتلون ما حولها، ولا تغير جلدها، ولا رايتها، ولا ولاءها حسب المصالح، فلا تتغير مثل تغير الشيوعيين الذين هم أقبح البشر فقد كان ولاؤهم قبل سنوات للشرق، ثم بعدما انهارت الشيوعية أصبحوا هم أكثر الناس عبيداً للغرب.
وكم من أناس كانوا يتكلمون على الإمبريالية والرأسمالية والاشتراكية وكانت حياتهم كلها على ذلك، على أن هناك من المنتسبين إلى الدعوة أُناساً عندهم استعداد لتغيير الولاء حسبما يريد من بيده السلطة، أو الملك أو الغنى والمال، فمن يدفع الأكثر يكون الولاء له، وهذا أمر مرفوض لأننا لا يمكن أن نتلون ولا أن ننتمي إلى أحزاب الضلال لأنها الكثرة الآن، فالدعوة الربانية لا يمكن أن تغير لونها ولا جلدها ولا رايتها ولا ولاءها حسب المصلحة كسائر الدعوات الأرضية؛ لأنها ربانية لله عز وجل، إذاً لا فرق في أن نكون ممكنين أو مستضعفين بل يظل ولاؤنا لله عز وجل ولرسوله وللمؤمنين، سواءً كانوا هم الأقوياء أو الضعفاء.
وكم نعجب ممن ينتسب إلى الإسلام عندما يسألون: كيف توافقون الشيشان؟ فيجيبون: نحن لا نوافق الشيشان بل أنتم تتهموننا باطلاً، بل نحن حريصون على وحدة الأراضي الروسية.
وهذا كان مضمون بيان إحدى لجان الجامعة العربية، فتجدهم يؤكدون أنهم حريصون على وحدة الأراضي الروسية، وأنهم ضد الدعوات الانفصالية.
فهذه مصيبة عظيمة وغير محتملة، إذ كيف يصل الولاء إلى أنك لا تريد أن تنتمي إلى الإسلام؛ لأنهم ضعاف وقلة مثلاً، بل إن بعض البلاد حتى الإسلامية عندما يسمعون عن إبادة للمسلمين في دولة من الدول يصرحون أنه لا شأن لهم ويقولون: نحن من سياساتنا الأساسية الإسلامية ألا نتدخل في الشئون الداخلية للدول الإسلامية الأخرى، وتعجب كيف لا يتدخل في الشئون الداخلية والمسلمون يبادون، بل العالم كله يتدخل وأنت تصرح أن من أساسيات مبادئك أنك لا تتدخل في الشئون السياسية الداخلية.
هذا كلام عظيم النكارة.