الخلاف في تكفير تارك الصلاة ليس اختلافاً في تحقيق المناط
إن قيل: هل الاختلاف في تكفير تارك الصلاة، اختلاف في تحقيق المناط؟ قلنا: لا؛ لأن الاختلاف في تكفير تارك الصلاة ليس في تحقيق المناط، وإنما الخلاف في أصل الحكم.
ليس من أجل احتمال أن يكون جاهلاً بها أو صغيراً، فأنا أقول: إن ترك الصلاة تكاسلاً كفر دون كفر، والثاني يقول: هذا كفر ناقل عن الملة، فهذا كحكم وليس كمناط، فنحن مختلفان في مناط الحكم وليس فيمن سيتعلق به هذا الحكم، وليس الخلاف في أنها ركن من أركان الإسلام، لكن بعض العلماء يحمل حديث:(من تركها فقد كفر) على ظاهره وأنه كفر ناقل عن الملة، والبعض الآخر يؤوله كفراً دون كفر.
والبعض يقول عن تارك الصلاة: أنا أعذره بالجهل، أو لا أريد تكفير المعين أو يقول: لو كفرت تارك الصلاة لكفرت كل الأمة.
فنقول له: لا تخف؛ فنحن لن نطبق هذا الكلام على المعين إلا بعد استيفاء شروط التكفير وانتفاء موانعه ولن نلتزم بتكفير المعين، هذا مخرج الدكتور سفر.
فالخلاف إنما هو في تحقيق المناط، فمثلاً: نحن متفقون على أن القتال في سبيل الله يصرف له من الزكاة، بخلاف بناء المساجد؛ ففيه خلاف هل هو في سبيل الله أم لا، فهذا اختلاف في أصل الحكم وفي المناط نفسه، وليس في تحقيق المناط.
فإن قيل: هل يمكن أن يكون الشخص جاهلاً بتحريم ترك الصلاة؟ فنقول: ليس هناك جهل في ترك الصلاة إلا لو كان المرء يعيش في أدغال أفريقيا -مثلاً- أو حديث عهد بإسلام، لكن ليس هو لعوام المسلمين في بلاد المسلمين اليوم، فإن الناس اليوم في أي بلد من بلاد الكفار يعرفون حرمة ترك الصلاة فضلاً عن بلاد المسلمين، والكفرة يعرفون رمضان، فلو رأوا واحداً يفطر في رمضان لعرفوا أن هذا ارتكب غلطاً، فضلاً عن المسلمين اليوم، فكلهم يعرفون رمضان، فلا يصح أن أختلف مع أحد في تحقيق المناط في هذا لأن هذا متفق عليه.
فالذي يقول بتكفير من أفطر عمداً في رمضان وترك صوم رمضان، يلزمه تكفير كل من أفطر عمداً إلا المجانين والصغار.
فالذي يقول بتكفير تارك الصلاة كفراً ناقلاً عن الملة، يحكم في بلد من بلاد المسلمين بانفساخ نكاحه وأن أهله لا يصلون عليه سواء أقيم عليه حد الردة أم لا، ولا ينبغي أن نقول: ليس في المسألة فائدة، بل لها فائدة من جهة الأحكام، فنقول عن زوجته مثلاًً: هل هي زوجته أو ليست زوجته؟ والمعاشرة بينهما زنا أم حلال؟ وهل يلزمها أن تفارقه ولا تسلمه نفسها؟ ولو سلمته نفسها هل تكون آثمة أم غير آثمة؟ فهذه الأحكام مبنية على فتوى، حتى وإن لم يقم عليه حد الردة، وبالتالي لا بد من تعليقها على تحقيق المناط.
فالاختلاف في تكفير تارك الصلاة اختلاف في تخريج المناط، وليس في تحقيق المناط.