للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم أداء الزكاة فوراً

أثّر ذلك في المسائل الفقهية اختلافاً كبيراً في عدة مسائل: الزكاة فرض من الفروض التي أمر بها الله جل في علاه، حيث يقول جل في علاه: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:٤٣]، فإيتاء الزكاة ركن من الأركان التي أمر الله بها، ويشترط فيها شرطان: الشرط الأول: بلوغ النصاب، وهو خمسة وثمانون جراماً من الذهب، ومن الفضة خمسمائة وخمسة وتسعون جراماً لكن هناك معضلة وهي: عظم الفارق بين مقدار زكاة الذهب والفضة.

الشرط الثاني: حولان الحول القمري.

بمعنى: أن رجلاً في واحد رمضان كان معه ستة آلاف جنيه، وحال عليها الحول وهي معه، فهل نقول بوجوب إخراج الزكاة في أول رمضان أم أن له الاختيار في أول رمضان أو آخر رمضان؟ وفائدة الخلاف في هذه المسألة: أنه لو أخرج أول رمضان فلا عتب عليه، أما لو أخرج في ثالث يوم من رمضان فهو آثم عند ربه، نعم هو أخرج الفريضة، لكنه أثم بالتأخير.

هذا عند من يقول بالفورية.

وقد اختلف العلماء في فورية أداء الزكاة على قولين، فإذا لم يخرج المرء الزكاة في الوقت الذي بلغ فيه النصاب وحال عليه الحول القمري، هل يأثم أم لا يأثم؟ فالحنابلة يقولون: من لم يخرج الزكاة في وقتها وتأخر ولو ساعة أثم بذلك، وهذا تشديد على الناس، ومنتشر بين العوام أن الرجل قد تكون زكاته في رجب، لكنه يقول: إنني أؤخرها لكي أدخل السعادة على الفقراء في رمضان، فيحبس الزكاة عنده، ثم يخرجها في رمضان، وهؤلاء لا يعلمون أن هناك مساءلة عند الله، وأن المرء يأثم إن أخر الزكاة عن وقتها.

والشافعية والأحناف -على ما أصلوه من أن الأمر لا يقتضي الفور- قالوا: له أن يخرجها في رمضان، وله أن يخرجها في ذي القعدة، المهم أنها في ذمته، وهي دين يحاسب عليه أمام الله جل في علاه، لا يملك منها فلساً، ويخرجها وقت ما يشاء، وقد أسقط الفريضة بإخراجها.

وهذا الكلام وإن كان أصولياً قد اتفق عليه الأحناف والشافعية وخالفوا الحنابلة فيه، لكن لو أخرجت كتب الفقهاء الأحناف أو الشافعية أو الحنابلة تراهم يسطرون فيها ما يخالف هذا التأصيل، حيث يقولون بوجوب إخراج الزكاة حين حولان الحول بعد بلوغ النصاب، فعلى الإنسان أن يحتاط لدينه.

وإذا قلت لهم: هذا أصل أنتم أصلتموه وقلتم: الأمر لا يقتضي الفور، فلم تلزمون الناس بإخراج الزكاة في نفس الوقت؟ حينها ترى أن مستند الشافعية ليس هذا التأصيل، وإنما نظروا إلى حالة الغني وحالة الفقير، أي: حالة المزكي وحالة المزكى له، فقالوا: حاجة الفقير ناجزة، وهو يحتاج الآن للصدقة، فقالوا: نقول بالفورية لا لمقتضى الأمر ولكن لحاجة الفقير؛ لأن حاجة الفقير ناجزة فلا يجوز له أن يؤخر؛ لأنه لو تأخر عن إعطاء الفقير لألحق الضرر به، ولا ضرر ولا ضرار.

إذاً: المسألة الفقهية أصبح فيها شبه اتفاق، لكن ليس على نفس التأصيل الأصولي، أما الحنابلة فقالوا بوجوب فورية إخراج الزكاة، للتأصيل العلمي المسبق بأن الأمر مقتضاه الفورية، وهذا هو الحق في المسألة.

أما الشافعية والأحناف فقد وافقوهم في وجوب الإخراج لا للتأصيل، لكن لنظر آخر وهو: أن حاجة الفقير ناجزة، فقالوا: إذا كانت حاجة الفقير ناجزة فلا بد أن يخرج الزكاة بعد حولان الحول، وإن تأخر أثم عند الشافعية والأحناف للغير -أي: الفقير- وأثم عند الحنابلة لذات الأمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>