المسألة الأخيرة في مسألة عدم وجود النص: رجل اجتمع عليه خمسة فقتلوه، فهل يقتلون به أم لا يقتلون به؟ هذه المسألة اختلف فيها الصحابة، وسبب الخلاف هو عدم ورود النص، وهذه المسألة ظهرت في عصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وهي أن امرأة كانت متزوجة من رجل في صنعاء، فسافر عنها وبقي مدة، وكان له ولد من غيرها، فالولد كان معها، فهذه المرأة اشتاقت لرجل والعياذ بالله، فخادنت رجلاً فكان يفجر بها فقالت لهذا الذي يفجر بها: إن هذا الولد سيفضحنا أمام زوجي، فلا بد من قتله، فالرجل قال: لا، ما أفعل ذلك، فبقيت خلفه حتى قتله هو ومن معه وهي، وقطعوه أرباً، ووضعوا كل جزء في كيس وألقوه في بركة ماء، فجاء الرجل يسأل عن ابنه، قالوا: مات، فلما علموا الحقيقة أمسكوا بهم وبعثوا بهم إلى عمر، وأخبروا عمر بالقصة، فجمع عمر كبار الصحابة، فاختلف علماء الصحابة في ذلك على قولين: فـ عمر بن الخطاب وعلي وابن عباس وغيرهم من علماء الصحابة قالوا: نقتلهم أجمعين، فقال عمر بن الخطاب: والله لو أن أهل صنعاء بأسرهم قتلوه لقتلتهم به؛ لقول الله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}[البقرة:١٧٩].
وهذا قول جمهور العلماء المالكية والشافعية والأحناف، وقالت الحنابلة، وهو قول الزبير وابن المنذر، وقول الزهري: إن عليهم الدية ولا قتل عليهم؛ لأن الله جل وعلا قال:{وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة:١٩٠].
فهذا النزاع كان لعدم ورود الدليل.
والصحيح الراجح في ذلك هو قول عمر بن الخطاب ومن وافقه، وأنهم لو تمالأ أهل صنعاء على قتله لقتلوا به، والدليل هو نفس ما استدلوا به:{وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة:١٩٠].
فنحن نقول: نقتل من قتل، وقد قتل الخمسة الولد فيقتلون به، وأيضاً من باب سد الذريعة، لأن أي إنسان يريد أن يقتل إنساناً آخر يقول: لو قتلت هذا وحدي سأقتل به، فحفاظاً على حياته يأتي بخمسة مجرمين فيقتلون هذا القتيل ولا يقتلون به، وتصبح المسألة حيص بيص، وتهدر الدماء دون أدنى رقابة، وهذا يخالف حكمة الله في القصاص، {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}[البقرة:١٧٩].
إذاً: الصحيح الراجح في ذلك: هو قتل المجموعة بالواحد.