[الكفارة على من أكل وشرب في نهار رمضان]
رجل أفطر عامداً في نهار رمضان بالأكل والشرب، هل عليه الكفارة أم لا؟ وها هي على الترتيب أم على التخيير؟ أما المالكية فيرون أنها على التخيير، وأما الجمهور فيرون أنها على الترتيب.
ودليل التخيير أنه قال في بعض الروايات: (أطعم أو صم أو أعتق) فـ (أو) هنا للتخيير.
والصحيح الراجح أنها على الترتيب.
إذاً: المسألة فيها خلاف، لكن الراجح الصحيح أنها على الترتيب.
هذا الذي أكل أو شرب هل عليه كفارة مع القضاء أم لا؟ اختلف العلماء في المسألة على قولين، وسبب الخلاف ناشئ عن القياس، فترى مجموعة من الذين يقيسون ينتصرون لمذهب ابن حزم الذي لا يقيس، فيقول: الذي أكل أو شرب ليس عليه إلا القضاء، لكن هو لا يقول بالقضاء أيضاً، وإنما يقول: ليس عليه شيء، ويتوب إلى الله جل في علاه، وإلا فالعقوبة زائدة عند الله جل في علاه، قلنا: لم؟ قالوا: لأنه لم يرد نص يثبت القضاء على الذي أكل أو شرب، وليس هناك نص على الكفارة لكي يكفر.
ووافق ابن حزم الحنابلة والشافعية مع أنهم من أهل القياس، وقالت المالكية والأحناف: من أفطر عامداً بالأكل أو الشرب في نهار رمضان فعليه القضاء والكفارة بعتق رقبة، فإن لم يجد فيصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
قالوا: ودليلنا في ذلك القياس على الجماع في نهار رمضان، ففي الصحيحين والسنن: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ينتف لحيته ويقول: (يا رسول الله احترقت! قال: أين المحترق؟ - وفي رواية قال: هلكت- قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على أهلي في نهار رمضان- يعني: وطأت أهلي في نهار رمضان- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعتق رقبة، فقال: ليس عندي، فقال: صم شهرين متتابعين، قال: ما فعل بي ذلك إلا الصيام، قال: أطعم ستين مسكيناً، قال: لا أجد) فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة؛ لأنه واقع أهله في نهار رمضان، قالوا: والعلة هنا مشتركة، وهي انتهاك حرمة يوم من رمضان بالإفطار عمداً، فبجامع انتهاك حرمة اليوم نقول: إن الذي أكل أو شرب عامداً في نهار رمضان يلحق بالذي جامع عامداً في نهار رمضان، فيكون عليه الكفارة.
قلنا: هذا قياس بديع، فهل نقول به أو لا نقول به؟ الذي أتبناه وأدين الله به: أنه لا يلحق بالجماع غيره.
المقصود أن القول الراجح هو قول ابن حزم والشافعي وأحمد مع أن الشافعي وأحمد يقولان بالقياس.
فردوا عليهم قالوا: أنتم تقيسون، فلم رفضتم هذا القياس؟ قالوا: لأن قياسكم هنا اختل فيه شرط من الشروط، فإنه يشترط في القياس الصحيح: أولاً: أن يثبت الأصل بالكتاب أو السنة.
ثانياً: علة الوصف المناسب، أي: لا تكون العلة قاصرة، لا تتعدى لغيرها.
ثالثاً: ألا يكون الأصل تعبدياً غير معلل، فلابد من توجد علة غير قاصرة، والعلة الغير قاصرة يدور معها الحكم وجوداً وعدماً، أي: يوجد الحكم بوجودها، وينعدم الحكم بعدمها.
رابعاً: ألا يصادم نصاً أقوى منه، فيكون فاسد الاعتبار.
خامساً: أن تكون العلة في الفرع مساوية للعلة في الأصل.
فإذا نظرنا إلى الشروط وجدناها غير متوفرة في هذه المسألة؛ لأننا وجدنا أن العلة هي الجماع، والعلة هنا هي الأكل والشرب، والأكل والشراب لا يلحق بالجماع، إذ إن هناك فارقاً بينهما، فالمتعة هنا غير المتعة هنا، وهناك فوارق كبيرة.
نقول: إن القياس إذا كان مع الفارق لا يصح الاستدلال به، فنقول لهم: إن قياسكم الطعام والشراب على الجماع قياس مع الفارق، والقياس مع الفارق يعتبر قادحاً من قوادح القياس، فلا نأخذ بالقياس في هذه الحالة، فيصح قول ابن حزم والشافعية والحنابلة بأن الذي أكل أو شرب ليس عليه القضاء.
وحتى القضاء فيه خلاف بين العلماء، لكن الراجح الصحيح أنه ليس عليه إلا القضاء، وليس هذا مجال التفصيل.