ومن ذلك طلاق المكره: كأن يؤخذ رجل ويجبر على طلاق زوجته، ويهدد بأنه إذا لم يفعل فإنه سيقتل، فقال: هي طالق ثلاثاً، فاختلف هل يقع الطلاق منه أم لا؟ ومدار المسألة على نفس الحديث أيضا والمقتضي، وهل رفع الإثم والحكم أم رفع الإثم فقط؟ ووجه الدلالة في الحديث: قوله: (وما استكرهوا عليه)، فإن الإكراه مصرح به؛ فرفع الإثم ورفع الحكم عند الجمهور جرياً على العمل بعموم المقتضي، وخالف الأحناف جرياً على عدم العمل بعموم المقتضي، فكان مفاد قول الجمهور: أن الطلاق يقع؛ لعموم المقتضي، وكان مفاد قول الأحناف: أن الطلاق لا يقع؛ لأنهم لا يقولون بعموم المقتضي, وعضد الجمهور قولهم بمفهوم عموم المقتضي في حديث:(لا طلاق في إغلاق) ووجه الدلالة في الحديث: أن معنى (إغلاق): إما غمي على عقله فيهرف بما لا يعرف، وإما أنه قد أكره فتكلم بما لا يريد، وإما أنه مخطئ في نفس الأمر، فيتكلم بما لا يريد أن يتكلم به, وعلل الأحناف قولهم بأن طلاقه يقع: بقصد الطلاق، وذلك بقوله: هي طالق، وقد قال الله تعالى:{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ}[البقرة:٢٢٩] وعضدوا قولهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد، الطلاق والإعتاق والنكاح) فقالوا: الهازل إذا طلق يقع طلاقه وهو لا يريد لفظ الطلاق، كما أن المكره كذلك لا يريد لفظ الطلاق، ويسمى عند الأصوليين: العلة.