الأصل في النهي التحريم، وهذا فيه خلاف بين العلماء، لكن هذا هو الراجح ما لم تأت قرينة تصرف هذا النهي من التحريم إلى الكراهة، والدلائل على ذلك كثيرة: منها قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}[المائدة:٩٠]، ثم قال في آخر الآيات:{فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ}[المائدة:٩١]، قال أنس -كما في الصحيح-: جئت إلى سعد بن معاذ ومعه جمع من الأنصار، والكئوس تدور على الرءوس، فصاح الصائح: إن الله حرم الخمر ثم قرأ الآية: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ}[المائدة:٩٠]، إلى أن قال:{فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ}[المائدة:٩١]، فألقوا بالكئوس في الأرض فقالوا: انتهينا ربنا انتهينا.
فالأصل في النهي التحريم، يعني إذا قيل لك: قال رسول الله: لا تفعل، فيجب عليك ألا تفعل، ويحرم عليك أن تفعل؛ لأن الأصل في النهي التحريم.
فالصحابة سارعوا في الانتهاء، ولو كان النهي يقتضي الكراهة فممكن أن يشذ واحد منهم فيشرب، ويقول: هذا ليس بمحرم، ولا سيما وهم كانوا يشربون الخمر كالماء، بل أتلفوا المال، وإتلاف المال لا يجوز، فهذا الإتلاف للمال دلالة على أن التحريم كان على القطع والحسم، فسكبوا الخمر في الأرض، ولم يسألوا هل هو محرم أو مكروه، وعدم الاستفصال يدل على أن النهي عندهم على التحريم.
وأصرح من ذلك حديث غزوة خيبر، فعندما عز عليهم الطعام نحروا الحمر الأهلية، وكانت حلالاً، وغلت القدور باللحوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الله ورسوله ينهيانكم عن أكل لحوم الحمر الأهلية)، فلما سمعوا النهي ألقوا باللحوم في الأرض وأتلفوا المال، وهذا فيه دلالة أيضاً على التحريم.
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل قد لبس خاتم ذهب، والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الذهب للرجال، فنزع الخاتم منه وألقاه، وقال:(أيعمد أحدكم إلى جمرة من النار فيضعها في أصبعه!)، فقالوا له: خذه وانتفع به، فقال: والله لا آخذ شيئاً ألقاه النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو لم يكن النهي على التحريم لما زجر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل هذا الزجر الشديد، ولما أخذ الخاتم وألقاه على الأرض، فهذه دلالة قوية جداً على أن الأصل في النهي التحريم.
إذاً: الأصل في النهي التحريم ما لم تأت قرينة تصرف النهي من التحريم إلى الكراهة.