رجل سافر سفراً يباح له الفطر فيه، فأفطر، فهل له أن يصوم النافلة قبل أن يقضي أم ليس له ذلك؟ الخلاف هنا محتدم بين أهل العلم: أما الأحناف فقد قالوا: له أن يصوم نافلة كيفما شاء، ثم بعد ذلك يصوم الفرض؛ لأن القضاء ليس على الفورية.
أما الشافعية والمالكية فقد وافقوا الحنابلة في الحكم -مع أنهم يخالفونهم في التأصيل- بأنه لا يصح منه أي نافلة حتى يقضي الصوم، ووجهة نظرهم هي قول الله تعالى: دين الله أحق، وإذا تعارض الفرض مع النفل يقدم الفرض.
ونحن نقول خلافاً للحنابلة وللشافعية والمالكية، الصحيح الراجح أنه له أن يصوم من النافلة ما شاء قبل أن يقضي، لكن عليه القضاء قبل أن يأتي رمضان الآخر؛ لأن هذا الواجب موسع، وتوسيعه أنه يوجد وقت آخر من بعد رمضان إلى رمضان الآخر له أن يصوم الأيام التي عليه، والواجب الموسع هو الذي يسع غيره من جنسه، كصلاة الظهر، فإنها تبدأ من زوال الشمس عن كبد السماء إلى أن يصير ظل الشيء مثليه، فنقول: من هذا الوقت إلى ذلك الوقت له أن يصلي نافلة كصلاة الظهر، فكذلك قضاء رمضان، هل يسع في وقت القضاء أن يضم معه غيره أو لا يسع؟
الجواب
يسع، ولذا قال الأحناف له: أن يتنفل.
ونقول نحن رداً على الجمهور: له أن يتنفل؛ لأن هذا يعتبر واجباً موسعاً لا سيما وقد جاءت الأدلة مصرحة بتأخير القضاء، ومن أصرح الأدلة: أن السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها كانت تؤخر وتؤجل قضاء رمضان في شعبان لمكان النبي صلى الله عليه وسلم منها، فهذا فيه دلالة واضحة على أن واجب القضاء لصيام رمضان واجب موسع، إذاً: ينضم معه غيره من جنسه، ويصح أن تقدم عليه النافلة.