[حكم الإشهاد على الرجعة]
الرجعة تطلق على شيئين: الرجعة التي يؤمن بها الشيعة، وقد افتراها اليهودي الذي ضيع الشيعة عبد الله بن سبأ، وهذه الرجعة تمس العقيدة، فالشيعة يعتقدون رجعة محمد بن الحسن العسكري، ويقفون عند السرداب ويقولون: ارجع يا محمد بن العسكري! وتطلق الرجعة على الرجعة من الطلاق، فالجمهور يرون أن الرجعة لا تحتاج إلى إشهاد.
مثلاً: دخل رجل على امرأته فوجدها في حال لا يرضيه فقال: أنت طالق، وبعدما طلقها توضأ وصلى لله نافلة فاستغفر ربه وأناب وقال: لم فعلت بامرأتي هكذا؟! فذهب إليها وقال: سامحيني قد رددتك، فراجعها، فهذه الرجعة هل تقع أو لا تقع؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين: جمهور أهل العلم يرون أن هذه الرجعة تقع.
والظاهرية يرون أن هذه الرجعة لا تقع، لأنه لم يأت بركن الرجعة وهو الإشهاد، قال الله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:٢] يعني: أشهدوا على هذه الرجعة، (وأشهدوا) فعل أمر، والأصل في فعل الأمر أنه على الوجوب، فقالوا: يجب على المطلق إذا أراد أن يراجع امرأته أن يشهد، فمن أراد إرجاع امرأته دون إشهاد فهذه الرجعة غير معتبرة.
وهذا رجحه من المتأخرين الشيخ الألباني رحمة الله عليه، قال: الرجعة لا تصح بحال من الأحوال إلا بالشهود.
وظاهر الدليل معهم.
وعند الجمهور أن الأمر بالإشهاد للاستحباب، والصارف هو الأصول والمقاصد الشرعية، قالوا: أولاً: هذه الرجعة على النكاح الأول، فإذا كانت على النكاح الأول فاستدامتها صحيحة، ولو كانت نكاحاً جديداً لكان الأمر للوجوب.
ثانياً: قالوا للظاهرية: إذا قلتم بوجوب الإشهاد فيجب الولي، فلما لم يجب فيها ولي وهو أهم أركان النكاح، فإنه لا يجب فيها الشهود.
والغرض أنه عقد لم يفتقر إلى الولي فلم يفتقر أيضاً إلى الشهود.
وهذا النظر قوي جداً، يصرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب.
ثالثاً: هذا الإرجاع لا يفتقر إلى رضا المرأة، فلو دخل على امرأته وقال: رددتك، فقالت: أنا لن أرجع إليك، فالرجوع يصح، ورضا الزوجة من أهم أركان النكاح، وهو لا يشترط في الرجعة، فإذاً لا يشترط الإشهاد فيها من باب أولى.
فهذه ثلاثة أمور من النظر القوي تصرف حكم الإشهاد من الوجوب إلى الاستحباب.
وفائدة الإشهاد عدم الجحود، فقد يكون الرجل فاسقاًً يطلقها مرة ومرتين وثلاثاً ولا يشهد، فإذا قالت له: قد طلقتني الثالثة وبنت منك، قال: هذه طلقة واحدة فقط، وينكر أنه طلقها أكثر من مرة.
وفي هذه الأزمنة لا يبعد أن نفتي بقول ابن حزم حزماً على هؤلاء الناس الذين خربت ذممهم، فأعرف مشاكل كثيرة جداً بين الناس، فالرجل يعيش مع امرأته في زنا ولا يقر بذلك، ويأتي منها بأولاد، فهؤلاء أولى بأن يفتى لهم على مذهب ابن حزم، لكن الحكم العام يغاير الفتوى، فإذا رأيت المتسيبين تشدد عليهم بفتوى ابن حزم، وإن وجدت الرجل تقياً ورعاً فقل له: خذ امرأتك وارجع بها فقد رددتها، وتفتي له بالصحيح من الحكم العام.