مسألة أخرى اختلف فيها العلماء: مسألة الخطبة على خطبة الرجل: اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: القول الأول: قول جماهير أهل العلم من الشافعية والحنابلة والأحناف: أن العقد صحيح والزواج صحيح، والعاقد المتزوج آثم؛ لأنه خالف النهي.
القول الثاني: مذهب المالكية، ولهم أقوال ثلاثة: البطلان مطلقاً، وعدم البطلان مطلقاً كقول الجمهور، والقول الثالث وهو التفصيل، وهو الراجح في مذهبهم، قالوا: إذا بنى بها لم يبطل العقد، وإذا لم يبن بها بطل العقد.
الظاهرية قالوا: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخطب المرء على خطبة أخيه، ونص الحديث:(لا يبع أحدكم على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه)، والأصل في النهي التحريم، ولم تأت قرينة تصرف التحريم إلى الكراهة، وعندنا قاعدة: مطلق النهي يقتضي الفساد، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخطبة على الخطبة، وهذا خالف هذا النهي، وخطب على الخطبة، فيقتضي ذلك البطلان والفساد، فلو تزوجها وفض غشاء البكارة، فعليه مهر المثل بما تمتع منها، ويفسخ العقد ويفرق بينهما.
وقال الجمهور: العقد صحيح والزواج صحيح، إلا أن هذا الزوج آثم، وعليه أن يتوب إلى الله ويستسمح صاحبه؛ لأنه قد جاء في بعض الروايات (إلا أن يأذن له)، قالوا: فإذا علق النبي صلى الله عليه وسلم صحة الخطبة برضا هذا الخاطب، فهذا يدل على أن النهي منصب على أمر خارجي، وهو رضا الخاطب، لا على عقد النكاح بحال من الأحوال؛ لأن الخطبة ليست ركناً من أركان عقد الزواج، وليست شرطاً من شروط عقد الزواج بالاتفاق، فإذا توافرت الشروط والأركان فيكون النهي منصباً على أمر خارجي وهو رضا الخاطب الأول، فإذا كان النهي منصباً على أمر خارجي فنقول: يصح العقد ويصح الزواج، ويترتب عليه آثاره ويأثم هذا المتزوج.
والرد على احتجاج الظاهرية بقول النبي صلى الله عليه وسلم:(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وأنه من عقد عقداً ليس عليه أمرنا فهو رد باطل، فنقول: هو قد عقد عقداً عليه أمرنا، فقد توافرت فيه الشروط والأركان؛ لكنه تعدى على غيره فعمل عملاً ليس عليه أمرنا، فاستحق الإثم ولم يستحق العقد البطلان؛ لأنه قد توافرت فيه الشروط والأركان.
ومن باب الفائدة: متى تحرم الخطبة على خطبة أخيه؟ اخلتف العلماء في ذلك، فالحنابلة يرون التحريم مطلقاً سواء ردوا عليه أو لم يردوا عليه، لعموم حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
والصحيح الراجح أن وقت النهي هو وقت الركون، فإذا ركنت المرأة إلى الخاطب الأول، فلا يجوز أن يعكر عليه ويخطبها خاطب ثاني، وهذا مذهب الجمهور.