والصنف الثاني: هو من لم يبلغه حديث النبي صلى الله عليه وسلم فاجتهد برأيه في المسألة فخالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن أمثلة ذلك أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه؛ فإنه استفتي في الصائم يصبح جنباً، أي: رجل جامع أهله في ليل رمضان كما أباح الله له، فما اغتسل من الجنابة إلا بعد صلاة الفجر، فلما سئل أبو هريرة عن هذا أفتى بسقوط الصيام ولزوم القضاء عليه.
فجعل أبو هريرة الطهارة شرطاً في الصيام، فخالف بذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً وهو صائم فيغتسل ويتم صومه)؛ فدل هذا الحديث على أن الطهارة ليست شرطاً في الصيام، واستثنيت من ذلك مسألة الحيض؛ لثبوت الدليل فيها.
فهنا اجتهد أبو هريرة برأيه لعدم علمه بهذا الحديث فخالف بذلك حديث رسول الله، ثم بعد ذلك رجع، وقال: أرجع إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن هؤلاء الذين لم يبلغهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم فاجتهدوا وخالفوا النص الصحيح ثم رجعوا، عبد الله بن عمرو بن العاص أو ابن عمر، والشك مني، فقد كان يأمر كل امرأة لها ظفائر إذا أرادت أن تغتسل أن تحل هذه الظفائر، فكان يأمر النساء أن ينقضن شعورهن أو ظفائرهن عند الاغتسال.
فبلغ ذلك عائشة، وكانت عائشة شديدة على الذي يخالف السنن، وهذا لا يعاب على الشديد، لكن ينبغي له أن يكون شديداً متأدباً.
فقالت عائشة:(أما أمر ابن عمر النساء أن يحلقن رءوسهن؟ والله لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يكفيني أن أحثو ثلاث حثيات على رأسي، أو قالت: وكنت أفرغ ثلاث إفراغات على رأسي ولا أنقض شعري).
فاستدلت بهذا الحديث على عدم وجوب نقض المرأة ظفائر شعرها إذا هي اغتسلت، ووجه الدلالة من هذا الحديث: هو إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى عائشة وهي تفرغ الماء على شعرها فلم يقل لها انقضي هذه الظفائر، فإقرار النبي لها يدل على الجواز.
فلما بلغ هذا الدليل ابن عمر فرجع إلى قول عائشة رضي الله عنها وأرضاها.