[اختلاف العلماء في معنى العين والقرء]
مثال الألفاظ المشتركة: العين، فالعين تطلق على البصر، وتطلق على العين الجارية، وتطلق أيضاً على الجاسوس ونحو ذلك، أيضاً: الجون، يطلق على البياض ويطلق على السواد، فهذه ابنة الجون قالت لها عائشة: (إن أردت أن يحبك النبي صلى الله عليه وسلم فقولي له: أعوذ بالله منك -وكانت من أجمل نساء العرب- فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أعوذ بالله منك فقال: لقد عذت بمعاذ الحقي بأهلك).
أيضاً الشراء يدخل في معنى البيع، قال عز وجل: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف:٢٠]، أي: باعوه.
أيضاً معنى القرء كما في قوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:٢٢٨] فالقرء يحمل على الحيض، ويحمل على الطهر، فهو طهر وحيض، فعلى أيهما نحمله؟ وهل هو الحيض أو الطهر؟ فمثلاً: المطلقة هل عدتها الأطهار أم عدتها الحيض، لقول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:٢٢٨]؟ وأصل الخلاف في المعنى الذي يحمل عليه القرء، فالعلماء اختلفوا فيه على قولين: القول الأول: الجمهور وهم الشافعية والمالكية ورواية عن الحنابلة، قالوا: القرء هو الطهر، واستدلوا على ذلك بالأثر وبالنظر، أما من الأثر فقالوا: قال الله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق:١]، (لعدتهن) قال العلماء: لقبل عدتهن أو في عدتهن، فالقرء معناه هنا الطهر؛ لأن العلماء أجمعوا على أنه لا يجوز الطلاق في الحيض، والذي يؤكد ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمر: (مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، فإن شاء أمسكها وإن شاء طلقها في طهر لم يجامعها فيه)، وهذا دليل قوي جداً.
وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها ثم يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) فقوله: (فتلك العدة) هذا هو محل الشاهد، يعني: في الطهر وليس في الحيض.
وأيضاً من الأثر ما ورد بسند صحيح عن عائشة قالت: (تعلمون ما الأقراء؟ الأقراء الأطهار).
الدليل الثاني: من النظر، قالوا: إن القرء لغة معناه الجمع، تقول: قرأت كذا أي: جمعت كذا، فيقولون: الطهر بالنسبة للمرأة هو تجميع الدم في الرحم، أما الحيض فهو خروج الدم وتفريقه، وهذا صحيح راجح.
القول الثاني: قول الأحناف وهو رواية عن الحنابلة، قالوا: القرء هو الحيض، فقول الله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:٢٢٨] أي: ثلاث حيض، وقالوا: عندنا الدليل أيضاً من الأثر ومن النظر.
أما من الأثر فقد قال الله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:٢٢٨]، فإذا قلنا بقول الجمهور أن القرء معناه الطهر، فجاء شخص وطلق امرأته في نصف الطهر فهل نصف الطهر يحسب أم لا يحسب؟ يعني: لو طلقها في نصف الطهر، ثم حاضت ثم طهرت فهنا طهران، ثم حاضت ثم طهرت، فهل نقول: هذه ثلاثة أطهار أم اثنان ونصف؟ اثنان ونصف وليست ثلاثة أطهار؛ لأن الله جل وعلا يقول: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:٢٢٨]، وهي لم تكتمل ثلاثة، والأصل بقاء اللفظ على ظاهره، وتقدير النصف مع الاثنين على الغالب يكون ثلاثة ليس هو الأصل، فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة فلا بد أن تكون ثلاثة، وإذا قال الله ثلاثة فلا بد أن تكون ثلاثة، قالوا: ولا يمكن أن يكون ذلك في الأطهار، لكن لا بد أن يكون في الحيض، فإذا طلقها في الطهر الذي هو السنة فنقول: لا تستقبلي عدتك الآن حتى تحيضي، فلو حاضت تكون أول حيضة، ثم طهرت ثم حاضت تكون الثانية، ثم طهرت ثم حاضت تكون ثلاث حيضات كاملة.
إذاً: ظاهر الآية مصدق على الحيض.
واستدلوا أيضاً من الأثر بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (للأمة طلقتان وحيضتان وعدتها حيضتان) فليست ثلاث حيض كالحرة الأمة، لكن هذا حديث ضعيف لا حجة لهم فيه، وقد روي مرفوعاً وروي موقوفاً وصح موقوفاً عن ابن عمر رضي الله عنهما ولم يصح مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الدليل الثالث: وهذا هو فاصل في محل النزاع، وهو حديث في سنن النسائي وأبي داود بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فإذا جاء قرؤك فدعي الصلاة) وقال في رواية أخرى: (دعي الصلاة أيام أقرائك)، يعني: أيام حيضك، فهي لا تدع الصلاة في الطهر وإنما في الحيض، ولولا صحة هذا الحديث لكان القول الأول من أقوى الأقوال أثراً ونظراً.
إذاً: فهذه دلالة على أن القرء هو الحيض.
وأيضاً من النظر قالوا: ما هي العلة في العدة؟ أقوى العلل هي استبراء الرحم، واستبراء الرحم لا يعرف بالطهر وإنما يعرف بالحيض؛ لأن المرأة إذا حاضت دل ذلك على أنها لم تحمل، هذا على قول الحنابلة وقول الأحناف؛ لأنهم هم الذين يقولون بذلك.
إذاً: براءة الرحم تعرف بالحيض على حد قولهم هم، وإن كان هذا الأمر مردوداً عليه، لكن نقول: فصل النزاع لنا: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه فإذا جاءنا الحديث فهو مذهبنا، وإذا جاء الحديث خصمت كل الفقهاء، وإذا جاءنا النص نأخذ به ونضرب بكل قول لأي أحد عرض الحائط، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعي الصلاة أيام أقرائك) يعني: أيام حيضك، فجعل القرء بالنص الصريح هو الحيض، وينبني على ذلك العدد، وينبني عليه مسائل كثيرة، وهذا مجاله في الفقه.