هذه مسألة أخرى يفترض ألا تدخل في حديثنا عن الإجماع، لكن سندخلها حتى نرى المسائل التي اختلف فيها العلماء، وهي: إجماع أهل المدينة.
أولاً: ما معنى إجماع أهل المدينة؟ وأي مدينة هذه التي نرى أن إجماعها حجة على المسلمين؟ المقصود بها المدينة المنورة، وهذا مذهب الإمام مالك، فهو يرى أن إجماع أهل المدينة حجة، ويقدمه على الآحاد من الأحاديث، ولذلك ترى كثيراً من المسائل وردت فيها الأحاديث وثبتت، ومع ذلك لا يقول بها مالك، مع أن مالكاً إذا ذكر الحديث فهو النجم، لكنه يرى أن إجماع أهل المدينة يقدم، وهو أقوى في الدلالة، وأنه قطعي، وحديث الآحاد دلالته دلالة ظنية، والقاعدة عند العلماء: القطعي يقدم على الظني؛ ولذلك ترى أنه يرى جواز أكل القرد والأسد، وله مسائل معينة انفرد بها الإمام مالك بسبب هذه القاعدة.
وقد فرق العلماء بين إجماع المدينة أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وأيام الخليفة أبي بكر والخليفة عمر، وبين ما بعدهم فالأول حجة بالاتفاق ولا بد أن يعمل بمسائله؛ لأن فيه إجماع الصحابة، والخلاف إنما وقع في عهد عثمان؛ فهل إجماع المدينة يؤخذ به بعد هذا الخلاف؟ جماهير أهل العلم يرون أن إجماع أهل المدينة ليس بحجة، وهذا الراجح الصحيح.
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه والإجماع المعتبر هو اتفاق مجتهدي هذه الأمة، فإن حصرنا الإجماع باتفاق أهل المدينة فقط، فهذا الحصر لا يصح ولا يليق بالعلماء؛ لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولا يخص ذلك بالمدينة.
من أجل هذا الخلاف بين مالك وبين جمهور أهل العلم طرأت مسائل اختلفوا فيها، منها: