رابعاً: أن يتفقا في الحكم ويختلفا في السبب: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}[المجادلة:٣] فالرقبة مطلقة.
وقال الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}[النساء:٩٢] وهذا مقيد بالإيمان، أي: تحرير رقبة مؤمنة.
فالحكم في الآية الأولى تحرير رقبة، والسبب: الظهار.
والحكم في الآية الثانية: تحرير رقبة، والسبب: القتل الخطأ، فهل يحمل المطلق على المقيد أم لا؟ الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة يرون حمل المطلق على المقيد.
والأحناف يرون عدم الحمل، وحجتهم في ذلك أن هذا توسيع من الشرع لا بد أن نأخذ به ولا نضيق الحكم، أي: يكون المطلق بمجاله والمقيد بمجاله.
أما الجمهور فيرون أن القرآن كله ككلمة واحدة، وطالما اتفقا في الحكم، فلا بد أن يحمل الأول على الثاني؛ لأن الثاني قد بين لنا مراد الآية الأولى، فلا بد من حمله عليه؛ لأن ظاهر الآية يقول:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}[المجادلة:٣] أنه سكت عن التقييد.
وفي الآية الأخرى قيد لنا الرقبة بوصف الإيمان، بل ومقاصد الشريعة تعضد كلام الفقهاء في ذلك، بل تؤكده؛ لأن الله عظم حرمة المسلم، أما الكفر فهو رق، وكان ذلك للكافر جزاء وفاقاً؛ لأنه هرب من رق الرحمن، ونزل في رق الشيطان فيذل ويهان؛ لأنه لا يحب لنفسه الإيمان بالله جل في علاه.
فالصحيح الراجح أن المطلق هنا يحمل على المقيد، ويكون تحرير الرقبة المؤمنة شرطاً في الإجزاء، فمن ظاهر فقال لامرأته: أنت علي كظهر أمي، فلا بد أن يعتق رقبة مؤمنة وإلا فلن ينجو.