للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم استئذان البكر في الزواج]

اختلف العلماء في حكم استئذان البكر البالغة في النكاح، هل يجب أو لا يجب؟ وثمرة الخلاف أنه لو كان يجب على الولي أن يستأذن البكر في الزواج فزوجها من غير أن يستأذنها فالنكاح مفسوخ بفسخها إياه.

وقد اتفق أهل العلم على أن الصغيرة غير البالغة إذا زوجها وليها دون إذنها فالنكاح صحيح، لكن الأحناف قالوا: إذا بلغت فلها الخيار، وهذا كلام ليس بصحيح، والصحيح أن الولي إذا زوج ابنته الصغيرة فله ذلك، والعقد صحيح.

ويصح للمرء أن يزوج الصغيرة غير البالغة ولو كانت بنت ثلاث سنوات، والدليل على ذلك قال الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:٤] والشاهد قوله: ((وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)) وهن الصغيرات اللاتي لم يحضن، فإذا طلقت الصغيرة التي لم تحض فعدتها ثلاثة أشهر، والطلاق مرتب على نكاح صحيح.

إذاً: هذه دلالة واضحة على أن هذا النكاح صحيح، وله أن يداعبها ويلاطفها ويتمتع بها دون أن يطأها، فإن احتملت الوطء وطئها.

إذاً: اتفق أهل العلم على جواز زواج الصغيرة بلا إذن منها، واختلفوا في البكر التي بلغت المحيض، فإذا زوجها وليها بلا إذن منها فهل يصح النكاح أو لا يصح؟ الجمهور على أن النكاح يصح، واستدلوا على ذلك بأدلة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الأيم أحق بنفسها، والبكر تستأذن وإذنها صماتها)، ووجه الدلالة من هذا تفريق النبي بين حكم الأيم وحكم البكر، ولأنه قال: (الأيم أحق بنفسها)، فمفهوم المخالفة أن ولي البكر أحق بها، وهي تستأذن على الاستحباب، وإن لم تستأذن فوليها أحق بها.

واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [النساء:١٩]، والخطاب هنا للأولياء، هذا قول الجمهور.

وخالفهم الأحناف فقالوا: إن تزويج الولي للبكر دون أن يستأذنها باطل إلا إذا رضيت بهذا الزواج، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والبكر تستأذن، وإذنها صماتها) فشرط النبي إذن المرأة البكر حتى يصح النكاح.

والدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم فسخ عقداً عقد على بكر لم تستأذن، وهذا الحديث قال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح، وصححه كثير من المحدثين، وهو عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة تبكي فقالت: يا رسول الله؟ زوجني أبي برجل ليرفع بي خسيسته ولم أرض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: الأمر إليك) يعني: إن شئت أديمي العقد وإن شئت فسخته.

فهذا دليل واضح على أن عقد النكاح لا يصح إلا برضاها، فقالت: (يا رسول الله! رضيت، لكني أردت أن تعلم النساء ذلك)، فهذه الفقيهة جزاها الله عن الإسلام خيراً علمت النساء أن البكر لابد أن تستأذن وأن إذنها شرط في صحة العقد.

وهذا الحديث فاصل في النزاع، فإنه يبين لنا أنه ليس للولي إجبار البكر على النكاح إلا برضاها، وإن زوجها بدون إذنها وبدون رضاها فلها أن ترفع أمرها لولي الأمر، وتفسخ هذا العقد، وهذا هو الراجح الصحيح.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>