[الزواج بالأمة الكتابية]
من المسائل التي تتعلق بمفهوم المخالفة: مسألة الزواج بالأمة الكتابية.
والأمة: هي التي كانت سبيا من الجهاد بين المسلمين والكفار، فأخذها فوقعت في سهم مقاتل من المقاتلين فأصبحت أمة، فله أن يطأها بدون عقد، أو بدون شهود وولي، كما أن له أن يستعملها ويستربح بمالها الذي تأتي به.
فهذه المسألة فيها معنى الأمة, أي الأمة الكافرة، وسواء أسلمت أم لم تسلم, وهناك خلاف عريض بين العلماء في جواز وطء الأمة المجوسية أو الوثنية، أو الأمة التي من غير أهل الكتاب، وليس هنا مجال بحثه.
فمن لا يستطيع الصبر هل له أن ينكح الأمة غير المسلمة أم لا؟ ومدار هذه المسألة على حجية مفهوم المخالفة, فمن قال بحجية مفهوم المخالفة لم يجز للمرء أن يتزوج بالأمة غير المسلمة، وهم الجمهور، ومن قال بعدم حجية مفهوم المخالفة أجاز له أن يتزوجها وهم الأحناف.
أما الجمهور فاستدلوا على عدم الجواز بقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:٢٥]، فهم يرون بأن الله قيد جواز الزواج من الأمة بشرطين اثنين في الآية: الشرط الأول في قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} أي: لا يستطيع غنى أن يتزوج، فلو كان يستطيع أن يتزوج فلا يجوز له أن يطأ الأمة وهذا بالإجماع.
والشرط الثاني: في قوله تعالى: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ} [النساء:٢٥]، فقوله: (فتياتكم) أضافها إلى المخاطبين، وهم مسلمون مؤمنون فكأنه يقول: لابد أن تكون على نفس ملتكم ودينكم، ثم أكدها حتى لا يحصل اللبس، فقال: (الْمُؤْمِنَاتِ) والمعنى: من فتياتكم المؤمنات اللاتي هن من ملتكم، ووصف الإماء بهذا الوصف جعل قيداً وشرطاً، ولأنهم يقولون بمفهوم المخالفة فقد بنوا عليه أحكاماً: الحكم الأول: الذي يستطيع طولا لا يجوز له الزواج من الأمة.
الحكم الثاني وهو محل الخلاف بين العلماء: الذي لا يستطيع طولا ولم يجد الأمة المؤمنة فلا يجوز له أن يتزوجها، إذ أن مفهوم المخالفة في الآية: إن كن من غير فتياتكم وعلى غير ملتكم فلا يجوز لكم الزواج بهن؛ لأن المعنى المنطوق في الآية: الأمة المؤمنة يجوز الزواج منها, فكان مفهوم المخالفة المسكوت عنه: لا يجوز الزواج بالأمة غير المؤمنة.
وذكرنا أن الأحناف يقولون: يجوز للمرء أن يتزوج من الأمة الكتابية، ودليلهم عمومات الكتاب, فمنها: أولاً: قوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:٣] فقوله: ما طاب لكم من النساء، يدل على العموم لما تحمله ما الوصولية من معنى العموم, وكما أن الألف واللام في قوله: (النساء) تفيد الاستغراق لكافة أفراد جنس النساء، والمعنى: كل النساء سواء كن كتابيات أو غير ذلك.
ثانياً: قول الله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:٢٤] فقوله: (ما وراء) يدل على العموم، إذ أن (ما) من الأسماء المبهمة التي تدل على العموم، والمعنى: كل ما وراء أولاءٍ فالزواج منهن حلال لكم، أما دليل الجمهور فهو ضعيف, ووجه الضعف أنهم يحتجون بمفهوم المخالفة وهذا المفهوم ليس بحجة.