أن ترى المرأة الحامل الدم، هل هذا الدم للحامل يكون حيضاً أو ليس بحيض؟ أقول تفريعاً عن هذا التأصيل: اختلف العلماء في هذه المسألة نظراً لاختلافهم في حجية إجماع أهل المدينة، أما مالك فيراه حيضاً، والشافعي يوافقه لكن بالنظر.
فالإمام مالك يرى أن الدم الذي ينزل من المرأة الحامل دم حيض، وأنه لا يجوز لها أن تصلي أو تصوم، وتأخذ كل أحكام المرأة الحائض، وعمدة دليله في ذلك إجماع أهل المدينة على أن المرأة الحامل إذا رأت الدم لا تصلي ولا تصوم.
أما الشافعي فيرى رأي مالك لأن الأصل في الدم الذي يدفعه الرحم هو دم حيض، وهو الدم الجبلي، وليس دم فساد ولا علة، إلا إن تأتي قرينة ودليل يدل على أنه دم فساد أو علة.
وهذا هو الراجح الصحيح، لكن معتمد الإمام مالك أن أهل المدينة أجمعوا على أن المرأة الحامل إذا نزل منها الدم فإن هذا الدم يعتبر دم حيض.
أما الأحناف والحنابلة فاحتجوا بأدلة على أن هذا الدم ليس بدم حيض، منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض)، فبين أن الحمل لا يحاض فيه، ولذلك فرق بين الحامل والحائض.
ومن الأدلة: براءة الرحم إما بالوضع وإما بالحيض، إذاً: الحامل لا تحيض، وإن كانت حائلاً فبراءتها بالحيض.
لكن الصحيح الراجح في ذلك هو قول المالكية والشافعية بأن الحامل تحيض، وإذا نزل على المرأة الحامل الدم فهذا الدم دم حيض؛ فلا تصلي ولا تصوم، وذلك للنظر والأثر.
أما الأثر فإجماع الصحابة لا إجماع أهل المدينة؛ لأن عائشة رضي الله عنها وأرضاها بعثوا لها سؤالاً فيه: امرأة حامل وقد نزل عليها الدم؟ قالت: لا تصلي ولا تصوم.
وسمع الصحابة فتوى عائشة رضي الله عنها وأرضاها فلم ينكروا عليها، فصار إجماعاً سكوتياً.
وأيضاً الأصل يدل على ذلك إلا أن يدل الدليل الناقض على خلافه، فالأصل أن الدم الذي يدفعه الرحم هو دم حيض إلا أن يكون دم فساد أو دم علة بدليل، ولم يرد دليل.
وأما تفريق النبي صلى الله عليه وسلم بين الحامل والحائل فنقول: الغالب أن الحامل لا تحيض، وإذا نزل عليها الدم فهو من الحيض.